وحتي ليلة أمس مازالت فرقة حسب الله الإعلامية مستمرة في عزف لحن ردئ المقام والتوزيع ، يؤهل عقولنا ويمهدها لتقبل طفرة في زيادة الأسعار غير محسوبة ولا يعلم حدودها إلا الله وحده !!.
والغريب العجيب المريب أن الفرقة برابطة المعلم تستشهد بأمريكا لعرض الفكرة المشبوهة ، وأنه - ياولداه - الأمريكان يتسولون في الشوارع ، ويتزاحمون علي بنوك الطعام للحصول علي كرتونة من بتوع مستقبل وطن ، ولهذا وذاك ولابد أن نضع نحن في عيوننا حصوة ملح ، ونجتر غضبنا ونمضغ حزننا ونسكت ، فإذا كانت أمريكا بجلالة قدرها هذا حالها الذي يصعب علي الكافر ، فعلينا إذن أن نحمد ربنا علي نعمته مهما زادت الأسعار عندنا !!.
ويتناسي هؤلاء المخادعون عن جهل وعن عمد أن متوسط دخل الفرد الأمريكي يصل إلى أربعة آلاف دولار في الشهر ، بينما متوسط دخل النفر عندنا لايتعدي المائة دولار ، وأن بدل البطالة للعاطلين هناك يصل إلى ألفيّ دولار ، في حين تمطعت الحكومة وتفضلت بمنح بعض العاطلين خمسمائة جنيه لثلاثة أشهر ثم توقفت !!.
كما يتجاهلون عن عمد أن السوق الأمريكي تحكمه المنافسة الكاملة ، حيث كثرة عدد البائعين والمشترين فيكون هامش الربح ضئيلاً جداً قد يصل إلى سعر التكلفة ، بينما عندنا سوق تحكمه المنافسة الاحتكارية والاحتكار ، حيث لاعلاقة بين تكلفة المنتج وسعر بيعه للمستهلك النهائي ، فيصل الربح في بعض الأحيان إلى مائتين في المائة وأكثر ، وانظر إلى الفلاح الذي يبيع الطماطم بثلاثة جنيهات فتصل إلى المستهلك بعشرة !!.
ثم ماذا عن الرقابة ، تشعر وكأنه لا أحد يراقب التاجر الجشع ولا يوقفه عند حده ، رغم كثرة جمعيات حماية المستهلك ، وانتشار شوادر البيع التابعة للدولة والتي أسعار السلع فيها أغلي من نظيرتها عند التجار !!.
عندي يقين أنه لو قامت رقابة الدولة بدورها ، وأحكمت قبضتها علي التجار الجشعين وعاقبتهم بقسوة ، ودخلت المنافسة بجد وإصرار ، وألزمت الجميع بهامش ربح محدود لايتجاوزه ، فإن الأسعار عندنا ستكون من أرخص بلاد الله ، ولا نحتاج عندئذ إلى عزف فرقة حسب الإعلامية للحن الردئ المقام والتوزيع ، والذي يؤهلنا إلى تقبل زيادات لا منضبطة للأسعار كل يوم ، ويبرر لها ويمهد ، ويضرب بأمريكا مثلاً لذلك ، وهي مقارنة مَغلوطة ومُضلة ومَغشوشة ، لاسامحهم الله !!.