JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

" زهرة الياسمين " قصة قصيرة .. بقلم مجدي أبو السعود


هل حقا كبرت وصارت عجوزا، وتسلل المشيب إلى شعرها الناعم فاحم السواد؛ ذلك الذي كانت تغازله نسمات الهواء الرقيقة في بيتنا البحري العتيق فيتطاير معها غير ممانع لعبث الطبيعة ؟! ..قيل لي هذا ولست بمصدق أن المشيب قد يجرؤ على الاقتراب منها، بل وتصير عجوزا يوما ما ! .. زادني محدثي أنها تزوجت منذ زمن بعيد وأن لها عددا من الشباب والفتيات !! وزادني طرقا فوق رأسي أن بعضهم قد تزوج وصارت هى جدة بطبيعة الحال، وأن لها أحفادا وحياة أخرى!! .. وتأكلني التساؤلات الدهشة: هل من الممكن أن تخضع هي لأعراف الطبيعة التقليدية وتتزوج ويصير لها حياة حافلة بنتاج بشري ؟! ... زادني محدثى طرقا بمعوله : ربما تكون مريضة بمرض عضال نال منها وتعاود الأطباء....أسمع وقلبي مطرقة تدق بعنف في صدري وأتساءل بداخلي مدهوشا : هل من الممكن أن تمرض وتصير ذابلة شاحبة ويتسلل الوهن إلى جسدها الأملس النضر وقد كانت فواحة تملأ محيطها مرحا وأهازيج وعبثا صبيانيا نديا؟!! ...

دون أن يدري زادني محدثي تآكلا، وشارد أنا، تنهش التساؤلات رأسي وتدور الذكريات دورات كاملة في لحظات، وأمقت حديثه رغم أني لست أريده أن يتوقف عن مواصلة إخباري عنها .... الكارثة أنه لا يحدثني عنها قبل أكثر من أربعين عاما خلت ؛ بل يحدثني عنها الآن وهي على هذا الحال الذي يعصرنى ألما ويفتتنى إشفاقا عليها وليس بمقدوري الوصول إليها !... كان اسمها "زهره" وكانت " زهره" ... حين كانت تأتى إلى أختي فى بيتنا القديم وكنت طفلا وكانت صبية كان عطرها يملأ المكان، مر نحو نصف قرن دون أن أراها ولا يبدو أنه من الطبيعي ومن الواقعي أن أراها بل هو الجنون بعينه إن طلبت رؤيتها.... هذا الصباح صحوت على عطرها القديم يملأ أنفي فجأة ...أخذني الحنين الجارف إليها ..قلبي الطفل الأخضر القديم يخفق لها ويدق بعنف طلبا لها صبية حيث كانت! ...رغم تصديقي بما ذكره هذا عنها ورغم عدم إيماني بوفاء الزمن الغادر ويقيني برعونته وطيشه بها وأنه حتما قد خانها وخانني، ونشب أظافره ومخالبه فيها، وترك آثاره القاسية على بهاء طلتها، إلا إننى على يقين أيضا بأن رائحة زهرة الياسمين التى كانت تنثرها لمن حولها لازالت تفوح منها !

( الصورة أهداء من الفنان حازم شفيق )

NameE-MailNachricht