حسام الغمري يكتب : خطاب مفتوح إلى المؤسسة العسكرية


في آخر إطلالة له على الشعب المصري قال الكاتب الكبير الذي احتفظ لنفسه بلقب الأستاذ عن جدارة واستحقاق محمد حسنين هيكل : أنا أخشى أن تخرج مصر تماما من التاريخ إذا لم ينتبه المصريون !! 

قالها على فضائية تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي وأمام إعلامية موالية تماما للنظام وليس من إحدى القنوات التي يصفونها بقنوات أهل الشر وكان ذلك في نهاية ديسمبر عام 2015 وقبل وفاته بــ 45 يوما ً . 

بعد مقولته هذه بأيام خرج إعلامي هو إحدى درنات العصر الذي نعيش فيه على قناته التي ادعى أن والدته تنفق عليها يدعو الله على الهواء مباشرةً أن يموت الأستاذ فحياة امتدت 92 عاما تكفي من وجهة نظره !! 

قال المقربون من الأستاذ أنه عندما شاهد هذا الإعلامي رد ببيت من الشعر يقول : هانت حتى بالت عليها الثعالبُ !! وقالوا أيضاً أنه استسلم لمرض الموت وهو الرجل الذي قاوم الأمراض السرطانية ثلاث مرات ولعله أدرك أن الموت أفضل له كثيراً من أن يحيى وهو يتابع خروج مصر تماما من التاريخ وفق تعبيره !! 

وخطابي المفتوح لعقلاء المؤسسة العسكرية التي انجبت من قبل عبقريات مثل رياض والشاذلي والجمسي والرفاعي وغيرهم يعتمد على سؤال رئيسي ، ألا ترون نبوءة الأستاذ في طريقها للتحقق ؟ أم تعتقدون أن أطنان من الخرسانة المسلحة تلقى في الصحراء بغير دراسة ، يرفرف فوقها أكبر علم موضوع فوق أطول ساري ويدور حولهم المونوريل سيمنع مصر التاريخ من الخروج من التاريخ ؟ 

لست أفهم طبيعة العقلية التي قررت تصوير  " عم صبحي بتاع السجاير والست نادية بياعة الخضار " بوصف أحد الأصدقاء ، ليكون رد النظام على تسريب اليوتيوبر #عبد الله_الشريف الذي اشتهر على السوشيال ميديا بتسريب #مرفت !! هذه العقلية ذات الطريقة البدائية في التفكير واتخاذ القرار هي التي يخشى ان استمرت فترة أطول من ذلك في إدارة البلاد بهذه العشوائية أخشى أنه ستتحقق نبوءة الأستاذ !! 

في حلقة سابقة وفي نفس البرنامج أعلن هيكل على الهواء أن أسرة المشير عبد الحليم أبو غزالة يتنازعون أمام القضاء الأمريكي حول ميراثهم من المشير والذي يقدر بــ 100 مليون دولار !! و هذه الأموال بالطبع موجودة في بنوك أمريكا !! وتساءل الأستاذ كيف حصل المشير على هذه الأموال ؟ وأنه يجب أن يبدأ النظام تحقيقاً شفافاً ، وأن يصدر بياناً حاسما حول الواقعة يتضمن نتائج هذا التحقيق ، وكالعادة مر هذا الإعلان المدوي من هيكل والنظام يتبع الحكمة التي تقول " ودن من طين وودن من عجين " ، والرد الوحيد على هيكل كان من إعلامي كان محسوباً على المؤسسة العسكرية يسأل الله على الهواء مباشرة أن يموت الأستاذ ، وهذا ما حدث بعد 15 يوما ، فمات النداء واختفت الاستغاثة !! 

المثير في المفاجأة التي أقر الأستاذ على الهواء أنه يملك وثائق تؤكدها أن هذه الملايين المائة جمعها المشير أبو غزالة في ثمانينيات القرن المنصرم ، أي عندما كانت الحالة الاقتصادية في مصر بالغة السوء في بدايات عصر مبارك ، والتي شهدت انفراجه بسبب قرار مبارك التخلي عن العراق على خلفية قيام صدام بغزو الكويت مما دعى نادي باريس لإسقاط ديون مصر العسكرية فشهدت حقبة التسعينات انفراجه اقتصادية سرعان ما تآكلت بسبب الفساد ، وبالتالي يمكن عدم رفض الأنباء المتناثرة التي تؤكد أن ثروة المشير طنطاوي تتجاوز ثلاثة   مليارات من الدولارات !! ويمكن توقع أن معظمها خارج مصر !! 

لست أكتب هذا كي أحاسب الجيل الحالي من الجنرالات على أخطاء سابقة ، أو كي أزيد الفجوة بين الجيش والشعب فهذا لا يصب إلا في مصلحة رأس السلطة ، بل أدعو بكل عزم أن يُحدِث الخطاب الإعلامي المعارض تحسينات على خطابه الموجة للمؤسسة العسكرية لأن الواقع الحالي تجاوز كل مأساة وقعت وكل فساد حدث ويحدث ولم يبق لنا سوى فرصة العمل على انقاذ مصر التي كانت بالفعل تحنو على جنرالاتها كثيراً قبل الخروج نهائياً من التاريخ !! 

إن مصر التي تدار بلا رؤية وبلا  هوية وبلا إلهام لحشد قواها الكامنة عبر ضفتي نيلها الذي يكاد يختنق ، مصر التي كبُلت تماما بالديون ، وتكاد تبيع لمجهولين أصولها الثابتة ، أصبحت من وجهة نظر العالم مجرد "سلخانة " كبيرة لتعذيب وإرهاب البشر – أي عار – ولم لا ، فشعبها من وجهة نظر من وضعتموه على رأس السلطة  "جعان" يتسول غذائه ، وعندما يتظاهر سيشعر بالجوع أكثر !! أي إهانة لشعب عريق انتم منه أيها القادة ويفترض أنكم له !! 

بالطبع أفهم أن مبلغ 130 مليون دولار الذي اقتطعته الإدارة الأمريكية من إجمالي قيمة المعونة العسكرية بسيط وتستطيع أسرة المشير أبو غزالة وحدها تعويضه من ميراثها الذي تتصارع عليه قضائيا في أمريكا ، ولكن سياسيا يمكن تفسير القرار كمثل مدرس قرر معاقبة تلميذ فاشل بأن قام باستدعائه أمام زملائه وتوبيخه وربما " تذنيبه " رافعا يديه أمام " السبورة " بعد ضربه بعصا غليظة عدة ضربات على مؤخرته العجيبة !! 

وأرجو ألا يستهين أحد بنتائج تحركات الناشط  رامي شعث الذي وجد طريقا إلى البرلمان الأوروبي والسي إن إن الأمريكية وصحيفة اللوموند الفرنسية في اسبوع واحد . 

أيها القادة العظام كيف يمكن انقاذ مصر وبها من يغذي حالة الانقسام المجتمعي وينشر الفُحش اللفظي عبر ذبابة الالكتروني ولست أدرى كيف تسمحون بذلك وأدبيات الجيش المصري لطالما عرفت عفة اللسان والحوار المهذب الرشيق يا أحفاد الشاعر الجنرال محمود سامي البارودي ؟ 

أيها الجنرالات ألا تكفي ثمانٍ عجاف تمت إدارة البلاد فيها بلا حكمة أو خطة عاقلة وبلا تحالف وطني حقيقي يعبر عن مختلف أطياف الشعب المصري ، تحالف يعيد لمصر مكانتها وللمواطن المصري هيبته وكرامته في الإقليم والعالم ، وأن يدشن ملحمة عمل جاد وحقيقي يُساهم في الحضارة الانسانية التي نعيش على هامشها وأخشى أن نصبح قريبا عالة عليها كما يُلمح قائدكم الأعلى !

أعلم أن ورثة المشير أبو غزالة ستجد في النهاية وسيلة لاقتسام ثروته والتمتع بها في أمريكا ولكن ، ألن تنفطر قلوبهم على وطن عظيم باستهتارٍ ضيعناه ؟ 

لعل سطوري هذه تجد طريقا إلى ضمائر العقلاء ، وأختمها بجملة للراحل د. فوزي فهمي في نصه الخالد عودة الغائب قال فيها : الضلال أن ترتبط حياة الملايين من الناس بحياة رجل واحد !! 

فما بالكم لو كانت هناك شكوك في نسبه ونفسيته وهواجسه ووساوسه وبعثه بالشر و إرساله وإرسالياته !

تعليقات