اخترع الاتحاد السوفيتي أعجوبة ما يسمى بمؤتمرات الشباب. وكان آخر مؤتمر شباب أقامه الاتحاد السوفيتي عام 1985. وبعد ذلك أقيم مرة واحدة في كوبا وانتهى الأمر. انتهة أمر الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية، وكوبا أيضا..
كان الاتحاد السوفيتي هو الذي ينفق الملايين على مؤتمرات الشباب بحيث تعقد في كل بلد "اشتراكي" بشكل دوري. وكانت الدعوة توجه إلى مثقفي وثوار الأحزاب والتنظيمات اليسارية بكل أطيافها في غالبية دول العالم.
وفي ذروة تورط القوات السوفيتية في أفغانستان، وفي قمة انهيار الاقتصاد السوفيتي، وفي ظل أسوأ علاقات اجتماعية وتدني مستوى معيشة وفقر وفساد وقمع، كان الاتحاد السوفيتي يقيم الأفراح والليالي الملاح ليتحدث عن "الحرية" و"الكرامة" و"المساواة" و"العدالة الاجتماعية" و"حقارة الإمبريالية" و"ضرورة النضال ضد الرأسمالية" و"التخلي عن القيم البرجوازية". وبالمرة كان يعرض أعظم ما توصل إليه العلم السوفيتي العظيم، ويستعرض الأسلحة المتقدمة الفتاكة، ويعرض رقصات الفلاحات من القوميات المختلفة، وقصص وموسيقى العمال وشبيبة الحزب والكمسومول ورقصاتهم، ليؤكد لشباب العالم أن كل شيء على ما يرام، وأن كعبة الاشتراكية بألف ألف خير، وأن النصر على الرأسمالية قادم لا محالة، وأن انتهاء عصر الهيمنة الأمريكية قد حل على أيدي ليس فقط العمال والفلاحين من أبناء الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الحليفة والصديقة، بل وأيضا على أيدي "شباب العالم" الذي اجتمع في "مؤتمر شباب العالم" ليعلنها حربا شعواء ضد ظلم وطغيان وتخلف الرأسمالية...
كانت الأمور سيئة للغاية في الداخل. وكانت الديون متراكمة على الاتحاد السوفيتي. وكانت القيادة السوفيتية تدلي بتصريحات ساخنة ضد الرأسمالية والإمبريالية من جهة، وتجلس لتوقع اتفاقيات معها من جهة أخرى. إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي بعد أن اكتسب عداوة سكانه ومواطنيه، وبعد أن جعل الفساد نمط حياة، واسس لإهدار قيمة الإنسان وبرر القتل باسم العمة السياسي والأيديولوجي..
كان شباب العالم يرقص في موسكو ويجرع الفودكا ويتناول الكافيار ويشاهد الرقص والبالية والحواة ولاعبي السيرك، ويستمع إلى أعظم كلام عن الاتحاد السوفيتي ومبادئ وقيم الخير والجمال والرخاء والازدهار، بينما الناس- المواطنون- الرعايا- الرفاق يعيشون عيشة أخرى تماما لا علاقة لها بما يقال...
بعد 6 سنوات فقط، انهار الاتحاد السوفيتي.
أرجو إن محدش يزعل من أرامل ويتامى الاتحاد السوفيتي، لأن الكلام مش موجه لا للاتحاد السوفيتي ولا لكم، لأن الاتحاد السوفيتي مات وارتاح، وإنتوا عايشين وزي الفل. وفي الحقيقة، الهدف من الكلام ده هو إمعان التفكير بدون عواطف ومشاعر فياضة وفوائض كلامية وحنجوري. محتاجين نفكر ونراجع نفسنا ونبص حوالينا عشان ما نعملش نفس الأخطاء وننتظر نتائج مختلفة، وعشان ما نرتكبش نفس الجرائم ونبقى منتظرين أحكام مختلفة.
وعلى فكرة، "مؤتمر الشباب" الأخير في الاتحاد السوفيتي كان فيه زبدة النخب العربية والمصرية (مش هاقول أسماء، واللي عايز يعرف ممكن يعرف من النت ومن جوجل ومن اللي شاركوا لو كانوا لسه عايشين). كانت حاجة تفرح وترد الروح، لدرجة إن روح الاتحاد السوفيتي نفسه هي اللي طلعت.