ذكريات قديمة : مطلع عام 1983..معهد السرطان. .الغرفة رقم 8 ..حيث تحلق حول اخي امل مجموعة جميلة من أصدقاءه وصديقاته الأدباء والنقاد ..أتذكر منهم يوسف إدريس ..الابنودي ..لويس عوض ..جابر عصفور..رضوي عاشور ..اعتدال عثمان..الدكتور عبدالمحسن طه بدر .. زين العابدين فؤاد وغيرهم..
الحوارات والنقاشات شديدة المرح والسخرية تنسي انك في غرفة مريض سرطان في مرحلة متأخرة بمعهد سرطان..
اتذكر السخرية من واقعة أمسية ادبية بالخرطوم السودان..كان نجماها يوسف ادريس والابنودي.. بداية الندوة تحدث يوسف ادريس بعده ألقي الأبنودي قصائده مهاجما السادات ..ضجت القاعة بالتصفيق الشديد للابنودي مما أثار نرجسية ادريس الذي علق بعده مهاجما السادات ومن بعده مبارك وكل الأنظمة العربية بالمرة..ليستحوذ علي اعجاب اكثر ..
كانت الأجهزة الامنية ترصد..بعد عودة ادريس لمصر ..تعرض لمضايقات أمنية حتي ان الرئيس مبارك هاجمه في احدي خطبه..معرضا بسيرته مما الزمه الفراش..
كانت الجلسة شديدة الرقي والجمال..الدكتور لويس عوض يتذكر ذكريات سجون عبدالناصر..عندما فتح باب الغرفة 8 ليدخل وفد من اقربائنا الصعايدة ممن نحمل لهم ذكريات كئيبة من الظلم ومرارات الطفولة !!
( كانوا يحضرون فرح احد اقاربنا بالسويس ..بالمرة زاروا هذه اليتيم الكريه الذي سمعوا مؤخرا انه أصبح ذو شان مهم !! ) ..افسح ضيوفنا المكان لينتقلوا للبهو الخارجي للغرفة..امل يتحول من الفرح والبهجة للحزن المقيم..دقائق همس لي..قول : "الدكتور جاي للفحص"..بالفعل..متشكرين ياجماعة ..نيجي لكم في المسرات..
بعد خروجهم..امل يصيح: " ربع ساعة اصعب من سرطان تلات سنين..قول للجماعة بره ييجوا"
انا ليه بحكي هذه الحكاية..لأني أعلم ان الصداقة والأخوة الانسانية اختيار ديمقراطي حر جميل .. اما القرابة: نظام ديكتاتوري متعسف. .
بين الأصدقاء نجد أنفسنا وارواحنا واحلامنا..الأقارب..رحم الله ابوك وابويا. .القرابة لاتتحقق الا بالاقتراب والصداقة الحقيقية والتواصل والانجذاب الفكري بين الاقارب..بغير هذا هي شربة ملح انجليزي تستوجب عدم الابتعاد عن دورة المياة للتخلص من كل الفضلات الآدمية الضارة !!
