يوجد بالمرارة حمض قوى حاجة كدة زى مية النار محصن فى حوصلة إسمها الحوصلة المرارية أو الغدة الصفراوية يفرز الجسم منها بحساب لهضم الدهون وقد تزيد الإفرازات قليلا لأسباب مرضية فتجد طعم المرارة فى الفم وقد تطفح المرارة فيصفر الجسم ويجب على الطب حينها أن يسارع لعلاج الحالة لمافيها من خطر داهم على حياة الإنسان...وقديما قالوا إيه اللى رماك على المر قلت اللى أمر منه...قد لا يكون المر طعما فى الفم أو غصة فى الحلق أو مرضا عضال نشر مرارة المرارة فى الدم !
فالمرارة فى الحياة موجودة وجود المرارة فى الجسد ولكن يجب التعايش معها وعدم إستفزازها بتصرفات غير منطقية كأن تقترض لكى تأكل طعاما أفضل أو تلبس ملبسا أفخر...
من المقبول أن تقترض لشراء ماكينة خياطة أو لشراء تاكسى لكن لا أجد معنى للإقتراض لشراء شاشة تلفزيون أو دهان المسكن !
فالمرارة فى حياة الناس قد تكون فى هم دين كبير عز على السداد أوخيانة صديق كان مكمن الأسرار...قد يكون الصديق زوجتك رفيقة كفاحك أو صديقك أوجارك أو أخيك إبن أمك وأبيك...لكنها الحياة ولكن كيف نتعامل مع مرارة بعض أيام الحياة...بعد خبرة السنين المتواضعة أجد أن أهم أسباب المرارة فى الحياة هو أن يُحمل الإنسان نفسه فوق مايطيق وأن يأمل فوق الممكن وأن يُحمل الآخرين فوق إمكاناتهم وفوق مايستطيعون من باب العشم وأن ننتظر منهم بحساباتنا مالايستطيعوا أن يفعلوه بحساباتهم وأن نتعامل مع الحياة بمثالية ليست موجودة إلا فى قصص الأطفال...الحياة لها قوانينها الأساسية وهى فى الأساس قوانين الغاب...القوى يأكل الضعيف والصحيح يدوس على المريض...وقد حاول الإنسان أن يهذبها ويضفى عليها بعضاً من الأخلاق وينشر قيم العدل والإيثار...لكن هل رأيت أسدا يدعو أسدا آخر إلى صيده ؟!
أبدا لم يحدث ولكنهم ربما تقاتلوا عليه ولكن كان يتركه ليأكل من بقاياها بعد أن يشبع وهو مالا يفعله معظم بنى الإنسان !
وحاول الحكماء والأديان والفلاسفة تهذيب خلق الإنسان ولكن كان نجاحهم محدود والواقع خير الشهود...ودوما بعد قطع شوط طويل فى رحلة التعليم والتهذيب كانت تظهر إنتكاسة تدل على بدائية الإنسان وهمجيته !
الكثيرون ينكرون ذلك ولكنها الحقيقة وراقب ذلك فى حوادث يومك التى تطل علينا بفواجع أقسى من همجية إنسان الكهف...
وجاءت الحضارات والأديان والأعراف والقوانين لتلجم الهمجية فى الإنسان ولكنها إستطاعت بقدر...وإن كنت لاتوافقنى فماتفسيرك للحروب فى العالم والقتلى والجوعى فى تاريخنا القديم والحديث...فى مقابل الترف والرفاهية حتى التخمة فى أماكن أخرى من العالم...بل وحوادث القتل لأتفه الأسباب وحوادث الثأر العشوائى إلا أن تكون هى نفس عقلية الإنسان البدائى وشعارها الحياة لى والجحيم لغيرى أو أنا ومن بعدى الطوفان ...ثم تأتى الأمراض والأوبئة فتفضحنا وكأنها ناقصة مرار !
مرارة من معاناة المرضى ومرارة من قلة الإمكانيات ومرارة من حكومات عاجزة لاتملك لنا نفعا ...
فهل هناك مرارة أكبر من ألا تجد ثمن دواء يخفف عن أحد من أهلك معاناة المرض ؟! وهل هناك مرارة أمر من ألا تجد سريرا برقم معقول فى مستشفى ؟! وهل هناك مرارة ألا تستطيع أن توفر اللقمة لأبنائك فى ظل بطالة تطارد الجميع ؟! ...أشعر بمعاناة الناس كل يوم المريض منهم والمعافى وأشعر بالمرارة فى حلوقهم حتى وصلت حلقى ولكنى أقف مكتوف الأيدى ...مرارة ممن يكسبون من الأزمة كمكاسب تجار الحروب من شركات أدوية ومعامل وأطباء وصيادلة...بل ودولة...نعم هناك البعض مشكور يدفع من ماله ووقته بل وحياته متطوعا ليخفف المرارات عن خلق الله ولكن على الطرف الآخر هناك بيننا من يمثلون ذلك الإنسان البدائى بكل همجيته !
أشعر بالمرارة من أولئك الأقوياء الذين يمتلكون القصور والفيلات المتدرعون بقلاع بناها أبناؤنا ملح هذا الوطن وفى المقابل حرمان المواطن الفقير من رغيف خبز دونه الموت جوعا حتى لو كان مجانى...أشعر بكل هذه المرارات وأتمنى أن نعالجها قبل أن تنفقع مرارة الوطن وتكون هى آخرتنا !
عام جديد أتمنى أن يكون سعيد وأقل مرارة لأخى الإنسان شريكى فى الوطن عما مضى من الأعوام !