JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
الصفحة الرئيسية

بروفايل: الشيخ رزق .. بقلم مجدي أبو السعود

 


صغارا كنا حين كان الشيخ “رزق ” وأخوه الشيخ “عبد الجليل ” يعملان بالمسجد الكبير، الشيخ “رزق” -كفيف البصر- هو إمام المسجد له هيبته وحضوره الأزهري الدائم بالجبة والقفطان، يمشي بجوار مساعده مرفوع الرأس ممشوق القوام، من المستحيل أن تضبطه متلبسا بخطأ لغوي أو تهتهة أو شيء من هذا القبيل، ذرب اللسان، جميل اللغة عاشق لها وكانت هي بدورها تبادله عشقا بعشق، سلس الأسلوب يصل به لغير المتعلم قبل المتعلم ولا يتأفف منه المثقف، قادر على جمع هؤلاء جميعا في بوتقة واحدة، تشعر بثقته وقفشاته التي لاتخلو من أدق شئون الحياة اليومية أنه يملأ عينيه من دراما الحياة اليومية، أخوه الشيخ عبد الجليل- مات قبله بسنوات - كان ضعيف البصر إلى حد كبير، لكن بصيص الضوء في إحدى عينيه كان يمكنه من السير وحده دون مساعدة أحد خلاف الشيخ “رزق” ، كان الشيخ “عبد الجليل ” مؤذن ومقيم شعائر بذات المسجد غير أن ثقافته الدينية محدودة بالقياس لعمق ثقافة الشيخ “رزق”، فيما قبل دخول الكهرباء في السبعينيات كان الشيخ “عبد الجليل” يصعد فوق المسجد في أوقات الصلاة ويدور حول مئذنته العتيقة التي تصدعت عقب زلزال التسعينيات الذي ضرب مصر ينادي للصلاة فيسمعه من على مسافات بعيدة، ويقسم الفلاحون أنهم يسمعون صوت أذانه مجلجلا في الفضاء فى الحقول البعيدة عن القرية، فى رمضان وقبيل المغرب كان الشيخ “عبد الجليل” يخرج من بيته للتهيؤ لرفع أذان المغرب فيصحبه العيال - ومنهم أنا بالطبع - يزفونه من جميع الجوانب على الطريق الترابي المحاذى لفرع النيل -القادم من دمياط - من بيته حتى باب المسجد بأغنيتنا الأثيرة وقتها -ياللى صايم افطر عسل على سكر- وكان الشيخ “عبد الجليل” رحب الصدر لا يتأفف من ضجيج العيال وصخبهم، بل كان يسير بجوارهم فرحا بفرحهم، كان الشيخ “رزق ” إمام المسجد من أوائل من أتوا بالتليفزيون إلى بيته - رغم كف بصره - بعد دخول الكهرباء وقيل لي من زملاء جيله أنه كان وأصدقاؤه يتجمعون مساء الخميس الأول من كل شهر الموافق لحفل أم كلثوم فى بيت أحدهم انتظارا لسماعها، فقد كان يعشق الصوت الجميل، كان يفتح باب بيته لنا نحن عيال الحي لنتفرج على هذا الاختراع العجيب المسمى بالتليفزيون، وكنا نتعجب ونبحث خلف التليفزيون عن هؤلاء الذين يطلون منه علينا وهم ليسوا معنا! ،، تركنا الشيخ رزق بعد أن باع بيته في حينا وبنى بيتا جديدا بعيدا عن منطقتنا بجوار مسجد آخر، وفقد المسجد الكبير العتيق طعمه وملمحه الأساسي، وتعاقب على مسجدنا العديد من الأئمة بعضهم ابتلينا بهم والبعض الآخر يفتقر لحضور وعبقرية أداء الشيخ “رزق ”، أصبحت أصلي وغيري خلفهم ضجرين مكرهين، ومن حين لآخر أحن للشيخ ” رزق ” خاصة بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الجليل وفقدان المسجد رائحته الخاصة التي كان يستمدها منهما فأذهب إليه فى مسجده فأعود منشرح الصدر وأهمس في نفسي : وما الذي يجبرك على الصلاة خلف من لاترغبه وفرضته عليك الأوقاف، أمامك الشيخ رزق ولو كان فى آخر الدنيا، واتخذت قرارا بالصلاة خلفه خاصة يوم الجمعة ومن المفارقات أن الشعور الذي ينتابني الآن بعد نحو ثلاثين عاما من تركه مسجدنا هو نفس الشعور الذي كان ينتابني وقتها حينما كنت أصلي خلفه فى طفولتي وصباي وشبابي الأول ،،،،!

...............

ملحوظة: هذا البروفايل نشر في جريدة التحرير قبل سنوات وبعدها بسنوات قليلة رحل الشيخ رزق إلى رحمة الله تعالى. عليه وعلى أخيه الشيخ عبد الجليل سحائب الرحمة

author-img

أخبار التاسعه

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة