كانت تلك صرخة الزنجي مالكولم إكس أحد أبرز قادة حركة الحريات المدنية في أمريكا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، وكانت تلك الصرخة تتعارض مع صرخات أخري لزعيم زنجي آخر هو مارتن لوثر كينج الذي كان يؤثر الإعتراض السلمي الذي يمكن أن يصل إلي حد العصيان المدني ، ولكن دون التورط في العنف حتي في مواجهة عنف وقسوة رجال الأمن الأمريكيين ، وبعض المنظمات البيضاء المتطرفة مثل " كو كلوكس كلان " .
لقد ولد مالكولم عام 1925 لأب كان قساً متطرفاً في تدينه ، ومع ذلك شهدت فترة مراهقته إنحرافاً إلي عالم المخدرات والعنف والبلطجة ، وتهرب من التجنيد أثناء الحرب العالمية الثانية بإدعاء إصابته بمرض عقلي ، كما تم الحكم عليه في قضية سرقة عام 1946 ، وفي السجن تعرف علي الزعيم الزنجي المسلم "أليجا محمد" قائد حركة " أمة الإسلام " ، الذي أصبح أباه الروحي فاعتنق الإسلام وغير إسمه إلي " الحاج مالك الشباز " ، وبعد أن أطلق سراحه عام 1952 أصبح الساعد الأيمن لأليجا محمد ، والمتحدث الرئيسي لما أطلق عليه إسم " القوة السوداء " Black Power ، وفي عام 1963 تم تعليق عضويته في الحركة بعد خلافات مع " أليجا محمد " ، لدرجة أنه صار مكروهاً من أتباع الزعيم الروحي .
وفي العام 1964 قام مالكولم بتأسيس منظمة لإتحاد الأمريكيين الأفارقة بهدف توحيد جهودهم مع غيرهم من الملونين في أمريكا ، وفي العام الأخير من حياته أدي شعيرة الحج وعاد بعدها ليعلن تحوله إلي الإسلام الأصولي المتشدد ، وطرح فكرة توحيد وإخاء ما بين البيض والسود .
وقد جاءت صرخته حول " الإنتخابات أو الرصاص " ، كمعادل موضوعي لخطاب مارتن لوثر كينج وعبارته الشهيرة التي قال فيها : " أن لدي حلم " I have a dream ، عندما كان مالكولم يلقي خطاباً يوم 3 إبريل 1964 في كليفلاند أوهايو ، حين قال بسخرية مريرة : " أنني لا أري أي حلم هنا في أمريكا ، وإنما أري كوابيس " ، وانتقد بشدة الرئيس جونسون وكافة السياسيين البيض الذي كانوا يتزلفون فقط لقاعدة الزنوج الإنتخابية قبل الإنتخابات ، ثم يهملونهم تماماً فيما بعد ، وهاجم بشدة دعاة المقاومة السلمية قائلاً : " لدينا نوع جديد من الإنسان الأسود ، غير مستعد لإدارة خده الأيسر لمن يصفعه علي خده الأيمن " ، وقال لأتباعه : " لا تدع هؤلاء السياسيين يخدعونكم ، أنهم يحصلون علي أصواتكم ، ويرسلونكم للموت في كوريا كي تواجهوا 800 مليون صيني ، وإذا كنتم كما يقولون شجعاناً في الحرب هناك ، فلابد أن تكونوا هنا شجعاناً أيضاً ، لأنكم هنا علي الأقل تعرفون ما الذي تحاربون من أجله " ، وأوضح أن الجنس الأبيض في أمريكا لم يحصل فقط علي عمل الزنوج مجاناً ، وإنما فعل ذلك أيضاً مع دمائهم.
قال مالكولم : " إنني لست سياسياً ، إنني حتي لم أدرس السياسة ، بل أنني في الحقيقة لم أدرس أي شيئ ، لا أنتمي للحزب الديمقراطي ، أو الحزب الجمهوري ، ولا أعتبر نفسي أمريكياً ، ففي الوقت الذي يصبح فيه أي متشرد يقفز من القارب علي الشاطئ الأمريكي حاملاً للجنسية الأمريكية ، وكذلك أولئك اللاجئين البولنديين والإيطاليين ، أي شئ يحضر من أوروبا ، كل من كان ذو عيون زرقاء يصبحون أمريكيين ، وإنما نحن السود الذين نشأنا هنا لسنا أمريكيين بما فيه الكفاية " .
وتساءل عما إذا كان الزنوج يتمتعون بالفعل بحقوق المواطنة ، فلماذا يتم إرسال قوات الشرطة ومعهم كلابهم لمهاجمة المظاهرات السلمية التي تحتج علي نظام الفصل العنصري ؟ ، ألا يعني ذلك أن تلك القوات تخالف الدستور والقانون ؟! ، وإذا كان الحال كذلك ، فأن عليكم أن تقتلوا الكلب الذي يعضكم ، والحارس الذي يحضه عليكم ، لأنهم ينتهكون القانون ، ولأنك تستخدم حقك في الدفاع الشرعي عن نفسك .
شرح بتفصيل مشكلة مشروع قانون الحريات المدنية الذي اقترحه كيندي قبل إغتياله ولا يزال متعثراً في الكونجرس ، وقال أن المهاجر البولندي لا يجتاج لهذا القانون كي يصبح أمريكياً ، بينما الزنوج الذي ولدوا وعاشوا في أمريكا يحتاجون لهذا القانون كي يتم الإعتراف لهم بحقوق المواطنة ! .
انتقد باقي قادة الحركة الزنجية في أمريكا ، قائلاً أنه لن يقبل أن يخدع نفسه بأن بعض المناصب لحفنة من كبار الشخصيات الزنجية تعني أن السود في أمريكا أصبحوا أمريكيين ، أن دعوتكم للحضور علي مائدة العشاء كي تتطلعوا إلي من يأكلون لا يعني أنكم تشاركون في الوليمة طالما ظل صحنكم فارعاً .
وأوضح للحضور قوة الصوت الإنتخابي للزنوج ، فقال أنهم حوالي 22 مليون ، وإذا كان كيندي في منافسته لنيكسون قد فاز بفارق بسيط ، فأن ذلك يعني أن القاعدة الإنتخابية البيضاء منقسمة ، وأن الصوت الأسود هو الذي يقرر من سيدخل البيت الأبيض ، ومن " سيدخل بيت الكلب " !.
ولقد كانت خطاباته المشتعلة ، وموقفه المتشدد سببا في رعب المواطنين البيض في أمريكا ، ولكنها كانت ملهمة لأعداد كبيرة من السود ، ومع ذلك فنتيجة لخلافاته مع جماعة أمة الإسلام تم إغتياله في نيويورك عام 1965 بواسطة ثلاثة من أتباع أليجا محمد أطلقوا عليه 15 طلقة ، وهكذا انتهت حياة الرجل الذي أراد الوصول إلي حل للمعضلة الزنجية عن طريق صناديق الإنتخابات ، أو اللجوء للرصاص .. انتهت بالرصاص في صدره ، مثلما انتهت بالرصاص أيضاً حياة القس الحالم لوثر كينج الذي كان ينادي بالمقاومة السلمية واللاعنف بعد إغتيال مالكولم إكس بأربعة أعوام فقط دون أن يري الحلم الذي كان يبشر به .
تلك الأحداث يجب التذكير بها حتي يعلم الشباب طريق الحق وصعوبة السير فيه والبشاره بالنهايات..تحياتي وتقديري معالي السفير
ردحذف