لليوم الرابع على التوالي يجري انهيار العملة الروسية (الروبل) إلى أن وصلت إلى 80 روبلا مقابل الدولار الأمريكي الواحد في سابقة لم تحدث منذ أكثر من عامين.
وكانت موسكو تنفي دوما علاقة قيمة عملتها بالعقوبات الغربية. وكانت قيمة الروبل ترتبط بدرجات كبيرة بتأرجح سعر النفط تحديدا. فكانت ترتفع بارتفاع أسعار النفط وتنخفض بانخفاضه. لكن حدث العكس في الأيام الأخيرة، حيث ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 90 دولارا للبرميل. وذلك في أول سابقة من نوعها منذ عام 2014. ومع ذلك انخفضت قيمة الروبل بشكل يثير المخاوف.
أما المهم في هذا السياق، أن موسكو كانت طوال السنوات الأخيرة تنفي تماما تأثير العقوبات الغربية. بل تؤكد أن اقتصادها وأوضاعها المالية والاجتماعية والمعيشية تحسنت. وفجأة بدأت موسكو تعترف بتأثير العقوبات، وبتأثير الأحداث المحيطة بأوكرانيا. بل تظهر نوعا من الغضب والعتاب وإلقاء اللوم أثناء حديثها عن العقوبات. علما بأن السياسة السائدة والمعلنة لموسكو كانت على الدوام تقلل من قيمة العقوبات..
ونشرت وسائل الإعلام الروسية هذا الخبر بالنص:
تراجع سعر العملة الروسية مساء الأربعاء لما دون العتبة الرمزية البالغة 80 روبلا للدولار، في سابقة منذ نوفمبر 2020.
كما بلغ سعر العملة الروسية مقابل العملة الأوروبية 90 روبلا لليورو الواحد.
وتأثرت مؤشرات الأسهم وأسعار صرف العملات سلبا بحالة عدم اليقين السائدة من جراء الأزمة الأوكرانية، حيث يزعم الغربيون أن روسيا تحضر لغزو أوكرانيا ويهددون موسكو بعقوبات.
هذا هو الخبر المنشور في وسائل الإعلام الروسية والذي نشر عمليا بعد تسلم روسيا، اليوم في الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت موسكو، رد الولايات المتحدة وحلف الناتو على مطالبها بضمانات أمنية.
وكما توقعنا خلال تحليلاتنا في الأسابيع الأخيرة، فإن الغرب رفض مطالب روسيا بإغلاق الباب أمام الدول الراغبة في الحصول على عضوية حلف الناتو، أو الدول الصديقة للحلف أو المتعاونة أمنيا وعسكريا معه.
وفي الحقيقة، فقد قدمت روسيا ما يقرب من 90 طلبا في اتفاقيتين من شأنهما تفكيك حلف الناتو وتحويله إلى منظمة خاملة. في كل الأحوال، تم رفض مطالب روسيا، واكتفى حلف الناتو والولايات المتحدة بأنهما أكدا في ردهما أنهما يرحبان بالحوار السياسي مع روسيا. لكن إذا غامرت موسكو بغزو أوكرانيا، فإن الغرب سوف يفرض عليها عقوبات غير مسبوقة في التاريخ. وبدأت الدول الغربية مباحثات لنشر قوات من دول الناتو وأسلحة في الدول القريبة من روسيا، تحسبا لأي غزو روسي لأوكرانيا.
على الجانب الروسي، بدأت موسكو تلوح بإمكانية تقديم مساعدات علنية لإقليمي "دونيتسك" و"لوجانسك" داخل حدود الدولة الأوكرانية. بل وتتصاعد أصوات من داخل البرلمان ومن داخل أجنحة متنفذة بضرورة الاعتراف بهذين الإقليمين كجمهوريتين مستقلتين، على غرار ما فعلته روسيا مع جورجيا بشأن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين تعتمدان كليا على روسيا وتعتبران عمليا جزءا غير رسمي منها. وقد تصل التهديدات الروسية ليس فقط إلى ضم هذين الإقليمين فيما بعد، بل وأيضا بابتلاع أجزاء أخرى من أوكرانيا. وهو الأمر الذي يثير مخاوف أوروبا والولايات المتحدة.
وبالعودة إلى العقوبات غير المسبوقة في التاريخ، التي هدد الغرب بفرضها على روسيا، فإن مسألة انهيار العملة الروسية بهذا الشكل المفاجئ على خلفية الأحداث حول أوكرانيا، يعكس مدى سطوة الغرب وتشدده هذه المرة على عكس ما حدث في جورجيا عام 2008. بل وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه على استعداد لفرض عقوبات على قمة هرم السلطة في روسيا، وعلى رأسه الرئيس بوتين شخصيا. الامر الذي أثار غضب الكرملين.
ويبدو أن الغرب يدرك جيدا حالة العناد التي سيطرت على النخبة المتنفذة في الكرملين. ويحاول من جانبه استخدامها في دفع أو إغراء روسيا باقتحام أوكرانيا، أو التورط في شرقها أكثر مما هو عليه الوضع في السنوات التسع الأخيرة، كجزء من خطة استنفاد الموارد الروسية. إذ أن روسيا في السنوات الأخيرة بدأت عمليا تتورط في مناطق كثيرة في سوريا وآسيا الوسطى وما وراء القوقاز،، ومع دول تستنفذ ميزانيتها ومواردها، ما ينعكس على الأوضاع الداخلية الروسية نفسها...
الاحتمالات كثيرة، والغرب يعتمد على مكابرة النخبة الحاكمة في الكرملين، وعنادها وتصلبها وهروبها خلف شعارات قومية ووطنية للتغطية على مشاكل حقيقية في الداخل، إضافة إلى شعاراتها بمواجهة الغرب وبقدراتها العسكرية الخارقة وباستعراض عضلاتها المسلحة..