نور سلطان نزاربايف حكم كازاخستان 30 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وهو أصلا كان السكرتير العام للحزب الشيوعي الكازاخي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. يعني عمليا، هذا الرجل كان يحكم كازاخستان منذ ولادته.
كازاخستان دولة مهمة من حيث الموقع الاستراتيجي المهم والمساحة الضخمة التي تمتلك حدودا مع دولة كثيرة أهمها الصين طبعا. وكازاخستان غنية بالعديد من المعادن المهمة، وبها مطار "بايكانور" الفضائي الذي كان الاتحاد السوفيتي يطلق منه صواريخه الفضائية الحاملة ومركباته الفضائية. ولا تزال روسيا تستأجر هذا المطار وتستخدمه وتعتمد عليه بدرجة رئيسية.
وكازاخستان أيضا من ضمن الجمهوريات التي بادرت إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي إلى جانب روسيا وبيلاروس وأوكرانيا. وظلت إلى جانب روسيا في كافة المنظمات التي تم استحداثها، بداية من رابطة الدولة المستقلة (دول الكمنولث) التي تم تشكيلها من أجل طلاق متحضر وبدون صدامات بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك حدثت الصدامات الجارية والنشطة إلى وقتنا هذا (بين جورجيا وروسيا، وبين أوكرانيا وروسيا، وبين أرمينيا وأذربيجان، وبين أوزبكستان وقيرغيزستان، وبين طاجيكستان وقيرغيزستان، ووووووو). ثم جري طوال تسعينيات القرن العشرين تشكيل منظمات ثلاثية وخماسية وتساعية للبحث عن صيغ أمنية من أجل روسيا حصرا، ولكي تضمن روسيا ولاء الجمهوريات الفقيرة المتبقية. ولكن دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) خرجت بلا رجعة وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وتمردت أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وأوزبكستان وأذربيجان. وأعلنت تركمانستان حيادها وابتعادها عن الأحلاف والتحالفات وكافة الصيغ الأخرى. وتبقت قيرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأرمينيا وبيلاروس مع روسيا في العديد من المعاهدات والتحالفات الأمنية والعسكرية.
تعرضت كازاخستان المليئة بالثروات للنهب، طوال 30 عاما، ولنظام حكم غريب وعجيب قد يكون متأخرا بخطوتين أو ثلاثة حتى عن أنظمة دول الشرق الأوسط ذات السلطات الغرائبية وأنظمة الحكم العجائبية. وكانت عاصمتها "ألما- آتا"، ثم غيروها إلى "آستانا". وبعد أن قرر الرئيس نور سلطان نزاربايف مغادرة منصب الرئاسة، تم تغيير اسم العاصمة إلى "نور سلطان نزاربايف". ومن أجل أن يضمن نزاربايف سلامته وسلامة أسرته استحدث مجلسا للحكم وللحكماء أسماه مجلس الأمن القومي ونصَّب من نفسه رئيسا له. وهذا المجلس لديه عمليا سلطات رئيس الدولة. أي أن نزاربايف ظل يحكم عمليا حتى بعد أن غادر المنصب وأصبح لكازاخستان رئيسيا، ولنقل مثلا رئيسا منتخبا (طبعا الانتخابات عندهم قريبة الشبة من الانتخابات في الدول العربية)!!
اليوم تتعرض كازاخستان لانتهاكات واسعة النطاق من السلطات التي تحكمها، وذلك سيرا على نفس عادات وتقاليد السلطات السابقة، فهم يرون أن ذلك من طبائع الأمور وأن الدولة بمن فيها وبما فيها ملكية خاصة لهم. واليوم يصف الرئيس الكازاخي المتظاهرين بـ "الإرهابيين الذين يعيثون فسادا في الشوارع والميادين ويستولون على مؤسسات الدولة"! وانطلاقا من "هجمات الإرهابيين الذين يعيثون فسادا في الدولة ويستولون على مؤسساتها" استدعى قوات من منظمة اسمها "منظمة معاهدة الأمن الجكاعي" مقرها في روسيا ولكن الدول الأعضاء تترأس مجلسها بشكل سنوي دوري (ديمقراطية شكلية، لأن روسيا عمليا هي التي تترأس وتقود المنظمة وتصرف عليها، وتعول الدول الأعضاء فيها عسكريا وأمنيا واقتصاديا)..
اليوم يتكرر في كازاخستان ما حدث في سوريا وليبيا ومصر واليمن وأوكرانيا وجورجيا. وتتكرر نفس تصريحات الأنظمة السياسية وأخبار وتغطيات وسائل الإعلام. وطبعا كل التظاهرات والتمردات والاحتجاجات هي بتحريض من الغرب وبدافع من قوى خارجية وتنفيذا لمؤامرات غربية وأطلسية وأمريكية. لكن الأنظمة الحاكمة حملان وديعة، والرؤساء والوزراء وأولادهم وأقاربهم يعملون في المصانع والغيطان ويمتهنون الفلاحة ويصلون الليل بالنهار في الورش والمصانع. ولذلك فالحياة مزدهرة ومستوى المعيشة مرتفع والثراء يعم البلاد والعباد، والصحة والتعليم بألف خير، والبحث العلمي والابتكارات ودولة القانون بألف ألف خير. لكن الشعوب متمردة بطبيعتها وإرهابية بطبيعتها ولديها نقص وعقد نفسية وتريد دوما انتزاع السلطة من أسيادها وأولياء أمورها. وبالتالي، تخرج الشعوب الإرهابية لتعيث فسادا بينما الرخاء يعم البلاد.
للأسف الشديد، أنظمة "العصور الوسطى" في هذه الدول (كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وقيرغيزستان) جرَّفت الدول ودمرت المؤسسات، وأولاد الرؤساء وأقاربهم والمقربون منهم هم الذين يتحكمون بالبيزنس والاستثمارات والأموال والتجارة وكل شيء. إنهم لم يتركوا للناس أي شيء يخافون عليه، ولذلك يصبح الأمر سيان أمام الناس" البقاء في البيوت خوفا وجوعا وذلا، أو النزول إلى الشوارع لمواجهة الرصاص أو الاعتقال والموت والإذلال في السجون...