نظرات في "فن الحنجلة" العلمية!
أسعدني للغاية وبشكل شخصي فوز الأستاذ الدكتور حسن عماد مكاوي الأستاذ بكلية الإعلام، وعميدها السابق، (اليوم الأحد 30 يناير 2022) بجائزة "التميز" لجامعة القاهرة؛ وهي الجائزة الأرفع في هذه الجامعة العريقة، والتي تعادل في مكانتها جائزة "النيل" التي تمنحها وزارة الثقافة. مصدر سعادتي الشخصية تنبع من كوني "تلميذاً" لهذا العالم الجليل؛ تتلمذتُ على يديه طالباً أثناء المرحلة الجامعية، وشرفتُ باشتراكه في مناقشة رسالتي للماجيستير، ودعمه لي في مرحلة الدكتوراة، ومساندته لي رئيساً لقسم الإذاعة والتيلفزيون بكلية الإعلام.. غير أنَّ الجزء الأكبر من سعادتي يرجع إلى أسباب غير شخصية، ويتعلق بفوز "قيمة"، وسيطرة "نموذج"، ونجاح "مثال"، وهي كلُّها خصال للدكتور "مكاوي" ولأعماله العلمية، ولمسيرته الأكاديمية..
المؤكد في فوز الدكتور مكاوي بهذه الجائزة أنها لم تكن نتيجة "تربيطات" أو "اتصالات" أو "ضغوط" فرضها على لجنة اختيار الفائزين بالجائزة، فعلها غيره وفاز بما هو أكبر.. وفعلها رئيس جامعة سابق عندما أعلن فوز بعض أصدقائه دون أن يتقدموا للجائزة، وجعلهم يحصلون عليها في غير تخصصاتهم العلمية!! الدكتور مكاوي لا يجيد التربيطات، ولا يتقن "وصلات النفاق"، و"أدوار التملق".. والدكتور مكاوي لا يجبد فن "الحنجلة" التي يجيدها بعض أصدقائه وزملائه من أساتذة الإعلام! ولا يمارس "الدعارة الفكرية" التي يمارسها بعضهم في مجال الإعلام.. الرجل لا يمتلك سوى سيرته العلمية، ولا يقدم غير كتبه ودراساته القيمة..
والمؤكد أيضاً أن الدكتور مكاوي تقدم بمؤلفات علمية هو صاحبها الحقيقي؛ لم يضع هذا الأستاذ اسمه على جهد الآخرين، ولم "يشتر" أفكار تلاميذه كما فعل آخرون، ولم يضع اسمه على كتاب ترجمه له بعض المعيدين.. الرجل لا يجيد سوى البحث العلمي، ولا يتقن غير "المذاكرة".. ويعيش للأسف الشديد بوجه واحد لا يتغير، ولعل هذا هو سر مشكلته الحقيقية!!
تناولت في مقالات سابقة وضع الإعلام "المتردي" في مصر، وعالجت بعض أسبابه المتعلقة بأداء الإعلاميين الممارسين.. غير أن الوجه الآخر للمشكلة يتعلق بأساتذة الإعلام وبدارسيه.. بعض أساتذة الإعلام كانوا "وبالاً" على الإعلام، وكانوا سبباً مباشراً في وصوله إلى الحالة التي هي عليه الآن.. بعض أساتذة الإعلام باعوا الإعلام بثمن بخس، دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين.. بعض أساتذة الإعلام جعلوا "التبرير" أكبر همهم، واشتغلوا في تقديم أسس علمية زائفة لدعم أوضاع إعلامية غير سليمة.. بعضهم كان عابراً لكثير من الأنظمة ورجلاً لكل المراحل.. بعضهم كان مؤيداً لسياسات متعارضة، وعلى استعداد لبيع نفسه في "مزاد علني" مقابل الظهور والتربح.. وبعضهم "مشتاق" لأي منصب، ولأي "سبوبة"، ولأي "مزهرية" على حد تعبير أستاذ عزيز لدي..
في المقابل، لدينا كثير من الأساتذة المحترمين، الدكتور حسن عماد مكاوي نموذجاً .. لدينا أساتذة حقيقيون في مجال الدراسات الإعلامية، نقف لهم احتراماً، وننحني لهم تقديراً.. لدينا أساتذة يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لا يسألون الإعلام إلحافاً، ولا يريدون من الأنظمة جزاءً ولا شكوراً.. تراهم ركعاً سجداً في محاريب العلم الحقيقي، يبتغون رفعة هذا المجال..
في المقالات المقبلة إن شاء الله، نعرض للوجه الآخر من الأزمة الإعلامية؛ من خلال استعراض مواقف بعض أساتذة الإعلام من قضايا الإعلام الراهنة.. نعرضها بإيجابياتها وسلبياتها.. بنماذجها المحمودة، وبأفكارها المنقودة.. أسماء مثل سامي عبد العزيز ، ومحمود علم الدين، وليلى عبد المجيد، وحسن علي، وهويدا مصطفى سيكون لها نصيب كبير من هذه المقالات.. كما ستحظى أسماء مثل عواطف عبد الرحمن، وراسم الجمال، ومنى الحديدي، بنصيب مماثل، إضافة إلى أسماء أخرى عديدة..
ولتكن بدايتنا في المقال التالي مع الأستاذ الدكتور سامي عبد العزيز، الوجه الأبرز في هذا المجال.. وسوف نخصص له عدة مقالات متتالية، لعلها تكون بداية لمناقشة علمية ثرية في هذا المجال..
مبارك أستاذي العزيز دكتور حسن عماد مكاوي..