سيسجل التاريخ أن ثورة كازاخستان "الملونة" كانت الأسرع في الإيقاع والفشل أيضا، ولم يسعفها الوقت لتختار اللون المعبر عنها، ولا الزهرة الرمز كعادة الثورات الملونة، واندلعت عقب قرار حكومي برفع سعر الغاز، واندفع المتظاهرون بسرعة إلى المقار الحكومية، والملفت هو تركيزهم على مطارين في آلما آتا أكبر المدن، والتي كانت عاصمة كازاخستان قبل أن ينشيء الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف العاصمة الجديدة آستانا التي تغير إسمها لتصبح نور سلطان.
التركيز على المطارين كان بهدف منع روسيا من إرسال قوات، لأن كازاخستان ترتبط بمعاهدة الأمن الجماعي مع عدة دول قوقازية بزعامة روسيا، لهذا كان الوقت ضيقا أمام "الثوار"، وكان الرئيس الجديد قاسم توكاييف قد تولى الحكم عام 2019 خلفا لنور سلطان، وأجرى إصلاحات إقتصادية وسياسية، وفتح الباب للإستثمارا الأمريكية، ومعها تأسست منظمات كثيرة للمجتمع المدني الممول.
أصر توكاييف على تلك الإصلاحات رغم غضب موسكو، ومع أن جهات دولية غربية أشادت بإصلاحات توكاييف في الشفافية ومواجهة الفساد وتحسين الحريات إلا أن كازاخستان كانت مهمة جدا للولايات المتحدة، فهي الأغنى بين دول المنطقة، ومساحتها كبيرة تطل على الصين شرقا، وعلى جنوب روسيا من الشمال، وتزخر بالغاز والنفط والمعادن.
لكن الأهم أن بها المحطة الفضائية الروسية، وأكبر مركز لإنتاج الصواريخ، وإذا سقطت ستكون ضربة موجعة لروسيا بالذات والصين من بعدها، لهذا كان التسرع بالإستيلاء على المقار الحكومية والمطارين بالسلاح، وبسرعة أيضا جاء رد الفعل، الذي لم يستخدم عبارات "المطالب المحقة أو أن الشعب ثار لكن تسللت إليه بعض عناصر التخريب، بل تم اتهام التحرك بأنه لمجموعة إرهابيين، وسيتم التعامل معه بإطلاق النار، بل إن الحكومة أعلنت سقوط عشرات القتلى من الإرهابيين.
رغم أن العدد حتى الآن أقل من ثلاثين شخصا، ودعت أرمينيا التي ترأس منطمة الأمن الجماعي هذه الدورة إلى إرسال قوات إلى كازاخستان لحمايتها من هجمات إرهابية، وكانت القوات الروسية في مقدمة المتحركين بإسال قوة "مجوقلة" محمولة جوا لحماية قاعدة بايكانور الفضائية والمواقع الحساسة، واتهمت روسيا الولايات المتحدة بتدبير انقلاب واستخدام إرهابيين، ونفت الولايات المتحدة بسرعة علاقتها بالأحداث، وخففت من حدة تشجيعها، فلم تصف المتظاهرين بالثوار كالعادة، ولم تحذر الحكومة من استخدام العنف، واكتفت بالدعوة للهدوء والحوار، وانفضت المظاهرات، لتكون أسرع الثورات الملونة وأكثرها فشلا، لينتهي "ربيع القوقاز" قبل أن يبدأ.