JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Home

" الطريق المسدود " 23 .. الدكتور عبدالخالق فاروق يكتب : تحليل ونقد خطة البنك الدولى " لإصلاح " التعليم فى مصر


إذا حاولنا تحليل ونقد خطة البنك الدولى " لإصلاح " التعليم فى مصر التى تبنتها وزارة التربية والتعليم تحت قيادة وزيرها الجديد د. طارق شوقى ، نستطيع أن نحددها على النحو التالى : 

1-الخطأ فى تشخيص أسباب مشكلات النظام التعليمى فى مصر : 

صحيح أن السياق والقراءة الأولية التى قدمتها الخطة المعروضة من خبراء البنك الدولى ، قد عرضت لمظاهر الأزمة التى يعانى منها النظام التعليمى المصرى ، من قبيل معدلات الفقر المرتفعة ، وتدنى نسب الاتاحة للإلتحاق بمرحلة رياض الأطفال ، وضعف جودتها ، وسوء جودة التدريس ، وإعتماد النظام التعليمى المصرى على التلقين والحفظ ، وتخصيص الجانب الأعظم من الانفاق على التعليم على بند الأجور والمرتبات مقابل تدنى نسب المخصصات لنفقات التشغيل والاستثمارات ، وضعف المهارات المؤهلة لدخول سوق العمل لخريجى المرحلة الأساسية ( السنوات التسعة ) ، وضعف صلاحيات مديرى المدارس فى التصرف بالموازنة المالية ، وتواضع نظم الحوافز لدى المعلمين ، وعدم الربط بين مستوى الحوافز ومستوى الأداء ، وسوء التخطيط فى توزيع المعلمين ، وضعف نظام تقييم الطلاب فى كافة مراحل التعليم وخصوصا فى الثانوية العامة . 

وكلها مظاهر حقيقية لأزمة النظام التعليمى المصرى ، ولكنها تظل مجرد مظاهر للأزمة وليست أسبابها الحقيقية ، تماما كما هى أعراض نزلات البرد التى قد تكون أسبابها متنوعة ، فقد يكون مصدرها مجرد نزلة برد عادية ، وقد تكون مصدرها سرطان فى الرئة ، أو مرض أخر أكثر خطورة ، وهذا هو جوهر الخلل فى خطة البنك الدولى ووزارة التربية والتعليم بقياداتها الحالية .ولعل هذا الخطأ المبدئى قد ترتب عليه مجموعة أخرى من الأخطاء الاستراتيجية كما سوف نعرض بعد قليل . 

ربما كان يكمن بعض أهم أسباب التشخيص الخاطىء للبنك الدولى ووزير التعليم الحالى ، فى الأتى : (1) نمط التحيز الاجتماعى المعادى لمجانية التعليم من ناحية ، حيث لم يرد ذكر لها على الإطلاق فى كل أوراق خطة البنك الدولى (2) عدم مواجهة حقيقة أوضاع الفقر فى المجتمع المصرى ، التى استندت إلى تقارير غير دقيقة ، سواء تلك الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر ، وهى مؤسسة حكومية ، أو من سابق دراسات البنك الدولى التى أظهرت معدلات الفقر فى مصر عام 2010 بنسبة 28% ،  بينما كانت تقارير التنمية البشرية الصادر عام 2010 ، بالتعاون بين وزارة التخطيط المصرية والمجلس الإنمائى للأمم المتحدة UNDP  تشير إلى نسبتة لا تقل عن 43.5% من السكان (7) ، بينما تشير المسوح التى قام بها جهاز التعبئة والإحصاء فى مصر عام 2015 بأنها 27.8% ، حتى لو صدقنا بصحة هذه التقديرات ، فأن تجاهل الأثر الخطير والمدمر للسياسات الاقتصادية منذ عام 2014 ، وخصوصا بعد تغريق ( تحرير ) الجنيه المصرى فى 3 نوفمبر عام 2016 ، والتى أدت إلى سقوط ما لا يقل عن 26% أخرين فى وهدة الفقر ، لتقارب نسبة الفقر فى مصر  60% وفقا لما أشار إليه تقدير صادر عن البنك الدولى  نشر فى إبريل من عام 2019 ،  كان بمثابة قنبلة هائلة ، زلزلت الوسط الاقتصادى والسياسى فى البلاد ، حيث أشار إلى أن معدلات الفقر فى مصر قد زادت  من 24% عام 2010 ، إلى 27.8 % لعام 2015/ 2016، ثم إلى 32.5 % عام 2017/2018 ، وزاد عليها  حوالى 26% أخرين أطلق عليهم التقرير  المهددون بالسقوط فى وهدة الفقر not poor but vulnerable to falling into poverty ، وبهذا فأن نسبة الفقراء والمهددون بالفقر  فى البلاد تكون قد وصلت إلى 60% من السكان عام 2019 (8) .وقد تصل إلى أكثر من ذلك فى الصعيد ، وكذلك أعتماده على التقديرات الحكومية بشأن نسب البطالة فى المجتمع المصرى التى تصل إلى 12% من القوى العاملة ، بينما تشير دراسات جادة ومستقلة بأن هذه النسب تكاد تقارب 22% من القوى العاملة فى المجتمع المصرى (9) .

 كما لم تتعرض الخطة على الإطلاق لكارثة الكوارث فى النظام التعليمى المصرى المتمثلة فى :(1) الكثافات غير المحتملة للطلاب فى الفصول الحكومية حيث تصل إلى 65 طالب / فصل فى المتوسط وفى الأحياء والقرى الفقيرة تصل إلى أكثر من 80 طالب / فصل ، والتى تمثل ثغرة أبليس فى النظام التعليمى كله . (2) وقد ترتب على تدنى الأجور والمرتبات للمدرسين مع الكثافات المرتفعة جدا فى الفصول إنتشار أفيون الدروس الخصوصية التى تشكل جريمة من كبريات جرائم النظام التعليمى والتربوى المصرى . وبرغم إشارة الخطة إلى الدروس الخصوصية فأنها لم تحفل كثيرا بموضوع الكثافات ، بسبب أمتلأ العقل الباطن للخطة والقائمين عليها بالاستخدام المكثف للتكنولوجيا كبديل موضوعى للتواجد فى الفصول المدرسية كما سوف نعرض . 

2-الخطة كلها قائمة على فلسفة ومنهج للتعامل مع قضايا التعليم وأزمته من منظور تقنى TECHNIQUES  بعيدا عن البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة فى مصر، فتصور شراء مليون تابليت سنويا وتوزيعه على الطلاب ، من شأنه تغيير قواعد وأداء الطلاب فى منظومة تعليمية تعانى من مشكلات فوق تعليمية ، أو قبل تعليمية من قبيل : (1) طبيعة البنية الاجتماعية بين طلاب الريف وطلاب المدينة وبين أبناء الأحياء الفقيرة وأبناء الأحياء الغنية ، وبين أبناء الطبقات البورجوازية الصغيرة من الموظفيين وصغار التجار والباعة السريحة وبين أبناء رجال المال والأعمال وكبار المسئولين ... الخ ) ، (2) وإنعكاسات كل ذلك على العملية التعليمية بأنواعها ومستوياتها المختلفة مثل ( المدارس الأجنبية International  ، ومدارس اللغات الخاصة ، والمدارس الخاصة العادية ، والمدارس التجريبية لغات بمستوياتها المتميزة والعادية ، والمدارس الحكومية العادية والتى تعد الأكبر عددا وتضم العدد الأكبر من التلاميذ والطلاب ، وأخيرا المدارس الفنية بأنواعها المختلفة )، وتخصص الخطة أكثر من 15.8 مليار جنيه على مدار الخمس سنوات لما أسمته تعزيز مستويات تقديم الخدمات من خلال أنظمة التعليم القائمة على الربط الشبكي وإستخدام الوسائط التكنولوجية . 

3-أغفال الحق الدستورى فى مجانية التعليم وتجاهل الحديث عنه ، فجوهر إى أصلاح حقيقى فى المنظومة التعليمية لن يكون سوى " رد الأعتبار للمدرسة العامة والحكومية " ، ولمبدأ المجانية بأعتبارها الخلاص الحقيقى لأبناء الفقراء الذين يشكلون 65% من المجتمع المصرى على الأقل فى اللحظة الراهنة ( يونيه 2018) ، وللأسف فأن الخطة ووزير التعليم الحالى يتعاملون مع قضية التعليم من مدخل سوق العمل ، ويتبين ذلك فى الكثير من الفقرات الواردة فى الخطة ، وحيث تتأسس فلسفة العمل فى أدبيات البنك الدولى وفى الخطة المعروضة الأن ، على مفهوم إسترداد التكاليف Cost Recovery  ، سواء كان فى مجال الصحة أو التعليم ، والذى ترتب عليه عمليا أثناء تنفيذ هذه الخطة زيادة المصروفات المدرسية بأكثر من سبعة إلى عشرة أضعاف ( من 40 جنيها سنويا إلى أكثر من 300 إلى 500 جنيه للتلميذ الواحد تسدد ، وألا تمنع عن الطالب الحصول على الكتب المدرسية وما يصاحب ذلك عادة من إهانة وإذلال للطلاب الفقراء وأولياء أمورهم ) (10) وفقا لما جاء بالقرار الوزارى رقم (119) لسنة 2021 . 


 
4-تركز الخطة المقدمة على مرحلة رياض الأطفال ، حيث تكشف الجداول الملحقة بالخطة ، مقدار تركيز الخطة على مرحلة رياض الأطفال التى ستتكلف طوال الخمس سنوات حوالى 8.8 مليار جنيه مصرى ، بهدف زيادة نسبة الالتحاق بهذه المرحلة من 31% للفئة العمرية حاليا ( عام 2015 ) ، إلى أكثر من 95% فى نهاية السنوات الخمس لخطة البنك الدولى ، ويرتبط بهذه من الناحية الكمية رفع مستوى الجودة من خلال إستخدام الوسائط الحديثة مثل القنوات التليفزيونية ، وأفلام الكرتون ، والتابلايت ، ووسائل اللعب والترفيه . 

وبالمقابل أهملت الخطة واقع الحياة الحقيقية على الأرض لملايين الأطفال فى سن قبل الإلزامى ، ومعدلات التزايد السكانى ، ونفقات المعيشة التى تدفع ملايين الأسر المصرية إلى تجنب إلحاق أولادهم بمرحلة رياض الأطفال ، أو حتى بالتعليم العام .

جدول رقم (24)

المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، الكتاب الاحصائى لعام 2014/2015 .

فإذا تصورنا عملية تعليمية وتربوية صحيحة لهذه الإعداد من الطلاب ، وعلى أساس كثافة 30 طالب / للفصل بحد أقصى ، فالمطلوب أن يكون لدينا حوالى 713331 فصلا دراسيا ، بينما المتوافر فعليا لا يزيد على 500 ألف فصل دراسى عام 2015،  أى وجود ثغرة لا تقل عن مائتى ألف فصل دراسى ، وهى ثغرة لن يفلح معها إستخدام الوسائط الحديثة كتعويض عن هذا النقص المادى ، خصوصا وأن التواجد فى الفصول التعليمية له وظيفة تربوية بقدر ما هى وظيفة تعليمية . 

وعندما نراجع توزيع المخصصات المالية بين مكونات خطة البنك الدولى التى وافقت عليها  حكومة الجنرال السيسى ووزير التعليم فيها (د. طارق شوقى ) نكتشف مقدار الخلل البنيوى فى التفكير ، وفى نمط الأولويات ( أنظر الجدول رقم 2) ، حيث تحظى مرحلة التعليم فى الطفولة المبكرة ب25% من هذه المخصصات خلال سنوات الخطة الخمسة بمبلغ 500 مليون دولار ( ما يعادل 8.8 مليار جنيه مصرى ) ، وبالمقابل نالت الجوانب التقنية وتقديم الخدمات والربط الشبكى ( مثل التابليت ونظم الاتصال وبقية الوسائل الفنية ) حوالى 45% من هذه المخصصات بمبلغ 900 مليون دولار ( ما يعادل 15.8 مليار جنيه ) ، أما أصلاح نظام التقييم الشامل من أجل تحسين التحصيل للطلاب فحظى ب 17% من هذه المخصصات ، أى حوالى 330 مليون دولار ( بما يعادل 5.8 مليار جنيه ) ، أما الإرتقاء بالمعلمين والمديرين – وطبعا عبر البرامج التدريبية التى يشرف عليها خبراء البنك الدولى وتتولاها كوادرهم المحملين بأفكارهم ونماذجهم التحليلية الشكلية – فخصص لها 13% من هذه المخصصات ، أى حوالى 250 مليون دولار ( مايعادل 4.4 مليار جنيه ) . أى أن غلبة الطابع التقنى المتناسب مع العقل الهندسى المجرد والفارغ من المضامين الاجتماعية والمعرفة الوثيقة بطبيعة البيئة التعليمية المصرية قد أنعكس فعلا فى تشوه نمط الأولويات الصحيحة لإصلاح المنظومة التعليمية المنهارة مثل كثافات الفصول وتدنى الأجور والمرتبات والترهل الإدارى والخدمى . 

5-عودة التفكير فى نظام تقسيم مرحلة الثانوية العامة: وهى التجربة التى سبق وجربها وزير التعليم الأسبق د. حسين كامل بهاء الدين  عام 1996 ، حينما قسم الشهادة الثانوية العامة إلى عامين دراسيين ، على أساس حساب المتوسط التراكمى للطلاب ، تحت تصور واهم بأن من شأن ذلك تخفيف العبء النفسى والمالى على الطلاب وعلى الأسر المصرية ، وتخفيض الدروس الخصوصية ، فكانت النتيجة عكسية وكارثية ، حيث زاد العبء النفسى والمالى على الطلاب وأسرهم ، كما زاد الأقبال على الدروس الخصوصية وأنتعش بصورة غير مسبوقة (11)، والأن تعود خطة البنك الدولى ووزير التربية والتعليم الجديد ( طارق شوقى )  إلى نفس التجربة بصورة أكثر خطورة من خلال تقسيم الشهادة الثانوية إلى ثلاث سنوات وتقييم طلابها على أساس حساب المتوسط التراكمى GPA . 

6-تجاهل نظم الأجور والحوافز ومحاربة الدروس الخصوصية : دون محاربة  جريمة الدروس الخصوصية كهدف قومى – ضمن أهداف أخرى – لن ينصلح أبدا حال المنظومة التعليمية فى مصر ، وهذا بدوره لن يكتب له النجاح دون إعادة نظر شاملة فى نظام الأجور والمرتبات والحوافز والمكافآت التى يتحصل عليها المدرسون خصوصا ، والعاملون فى حقل التعليم عموما . والمسألة لا تحتاج إلى الكثير من الموارد المالية الأضافية ، بقدر ما تتطلب إعادة هيكلة نظم الانفاق فى هذا القطاع ، وخصوصا بندى مكافآت الامتحانات فى نهاية العام الدراسى  وحوافز الأداء للمعلمين ، لقد بلغت مخصصات هذين البندين فى موازنة عام 2016/2017 حوالى 16.0 مليار جنيه ، يؤجل صرف البند الأول منهما إلى نهاية العام الدراسى ، فيظل المدرس محروما طوال العام الدراسى مدفوعا بالتالى إلى تعاطى جريمة الدروس الخصوصية ، بينما لو جرى إعادة هيكلة هذين البندين على المستحقات الشهرية للعاملين فى التعليم لزاد دخلهم الشهرى حوالى 750 جنيها  إلى ألف جنيه شهريا فى المتوسط . 

لذا فأن المدخل الأولى – ولا نقول النهائى - لإصلاح حقيقى للمنظومة التعليمية فى مصر تنطلق من ثلاثة عناصر أولية هى : (1) نظام عادل ومتوازن للأجور والمرتبات والحوافز للعاملين فى حقل التعليم مع التمييز الإيجابى بين المدرسين وبين بقية العناصر الإدارية والذيل الإدارى ، مع ربط الحافز بالنتائج النهائية للمدرس والتقارير الدورية للمفتشين وقطاع التوجيه . (2) سياسة ثابتة ودائمة وصبورة لمكافحة الدروس الخصوصية أعلاميا وسياسيا وثقافيا وأمنيا دون هوادة ودون مساومة . (3) إستعادة قوة نظم الرقابة والتفتيش الداخلية بالوزارة ، وبجهاز التفتيش المستقل عن الوزارة ، لتقييم أداء موضوعى ومعيارى دولى لأداء كل عناصر المنظومة التعليمية ، تعليميا وإداريا وتربويا . 

7-إغفال الخطة للجهاز البيروقراطى والإدارة التعليمية المصرية : تعتبر وزارة التربية والتعليم المشغل الأكبر والأول للعمالة الحكومية ، حيث يعمل بها وفقا لبيانات عام 2017 حوالى 1.7مليون موظف ، منهم حوالى مليون مدرس من جميع التخصصات ، والباقى عمالة إدارية من كافة المستويات والأنواع ، بدءا من المديرين والقيادات الإدارية ، مرورا بالوظائف المكتبة من المحاسبين والكتبة ، إنتهاءا بالعمالة من العمال والسعاة ، وهؤلاء جميعا يكادوا يشكلون حوالى 26% من إجمالى العمالة بالقطاع الحكومى المصرى . 

صحيح أن الخطة تعرضت لبعض المكونات الفرعية  تحت مسمى إعادة هيكلة ، مثل : إعادة هيكلة وتدريب العاملين فى المركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى ، و نقل الموازنة المالية من الوزارة إلى المركز الجديد المزمع إنشاءه ، وإنشاء هيئة تكنولوجيا التعليم وغيرها من المخارج الفرعية ، ولكنها أبدا لم تتعرض للبنية الإدارية والاجتماعية والمستويات الوظيفية والتعليمية والثقافية لهذا الجهاز البيروقراطى الضخم .

وحتى نتعرف على البنية الوظيفية لهذا الجهاز البيروقراطى الضخم علينا أن نبين أنه يتوزع على النحو التالى (12): 

• لدينا الإدارة البيروقراطية بالمديريات التعليمية بالمحافظات السبعة والعشرين. 
• ولدينا كذلك الإدارة البيروقراطية بالمناطق التعليمية التابعة لتلك المديريات . 
• ولدينا كذلك الإدارة البيروقراطية بالمدارس من مديرين ونظار ووكلاء وإداريون

• ولدينا عمالة من العمال والسعاة  كانوا حوالى  350 ألف عامل وعاملة  قبل عام 2010 ، يقومون على خدمة المدارس التى تزيد على 40 ألف مدرسة حكومية ،  ثم أنخفض عددهم بشدة إلى أقل من 150 ألفا ، وهؤلاء يتوزعون توزيعا مختلا ، بحيث يتركز الجزء الأكبر منهم فى خدمة الجهاز البيروقراطى بالمديريات والمناطق التعليمية وديوان عام الوزارة ، بينما تعانى المدارس من خلل ونقص هائل فى هذه العمالة ، مما يضطر كثير من المدارس إلى تعيين عرفى لكثير من العمال على نفقة المدرسين الخاصة ، ومن واقع تبرعات شبه إجبارية من المدرسين من أجل نظافة الفصول والمكاتب وفناء المدارس ، وهى كلها مبالغ زهيدة لا تتجاوز فى الكثير جدا من الحالات ألف جنيه شهريا للعامل أو العاملة . 

وهذا القطاع الإدارى والبيروقراطى يحتاج إلى سياسة جديدة وحقيقية لإعادة الهيكلة بالمعنى الإدارى والاقتصادى والمالى . 

جدول رقم (25)


المصدر : د. أحمد الحفناوى ، ومن واقع خطة البنك الدولى " لإصلاح " التعليم فى مصر( 2018-2023 ) .

ـ ملاحظة من الدكتور أحمد الحفناوى وتظهر هنا ست سنوات بينما هناك في العديد من الصفحات المعاملة على خمس سنوات . 

8-الخطة لم تتعرض للتشوهات الراهنة فى بنية النظام التعليمى المصرى : التى  تعرض لها على مدى خمسين عاما  وتحديدا منذ عام 1974 ، وإلى موجات وتيارات من الضغوط  ناتجة عن التغيرات العميقة التى طرأت على المجتمع المصرى من ناحية ، وبسبب التآكل والضعف الذى نخر كالسوس فى آليات عمل والقيم السائدة فى بنية هذا النظام التعليمى . 

وبالنتيجة تغيرت بنية هذه المنظومة التعليمية ، فأنتشرت فى البداية المدارس الخاصة بمصروفات ، ثم تعمقت إلى المدارس الخاصة لغات بمصروفات أكبر ، ثم دخل على الخط المدارس الدولية International  بعشرات الآلاف من الدولارات أو العملات الأجنبية سنويا ، وتعمق الفرز التعليمى مصاحبا للفرز الطبقى والاجتماعى ، وبدلا من التنبه من جانب الدولة وأجهزتها إلى مخاطر هذه الظاهرة ، تماشيت وزارة التربية والتعليم – والتعليم الجامعى بعدها – لنيل نصيبه من الكعكعة ، فتحولت بعض المدارس الحكومية إلى مدارس تجريبية لغات بمصروفات ، ومدارس تجريبية لغات متميزة ، ومدارس المستقبل ، ثم مدارس النيل فى السنوات التى أعقبت تولى الجنرال السيسى الحكم فى عام 2014  ، وسقطت المدارس الحكومية من حسابات التطوير والاهتمام الحقيقى للدولة والقائمين عليها ، بل أنهم لم يتوانوا فى إلحاق أبنائهم وأحفادهم فى تلك المدارس الجديدة !! 

وزاد عليها توغل الجنرال السيسى  نفسه فى إنشاء الجامعات الخاصة الأجنبية فى عاصمته الإدارية الجديدة ، فى إشارة لا تخطئها العين عن طبيعة تحيزات وإنتماءات الرجل الاجتماعية والطبقية بل وحتى الثقافية والسياسية .

وبقدر الخطر على الهوية الوطنية والقومية المصرية والعربية ، بقدر حالة الضياع والتيه الذى أنتاب ملايين الأسر المصرية الفقيرة التى وجدت نفسها وأبنائها فى مهب الريح ، فلا دولة تسندهم ، ولا قدرتهم المالية تسمح لهم بتعليم أولادهم ، ومن هنا نشأ أكبر وأعمق حالة إحباط عانى ومازال يعانى منها المصريون وخصوصا أغلبيتهم الساحقة الذين كان التعليم بمثابة وسيلة للحراك الاجتماعى والهروب من حالة الفقر والضياع . 

وهذه الحالة لم تقترب منها خطة البنك الدولى بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم التى يترأسها وزير لم يتردد منذ الطلة الأولى له على شاشات القنوات التليفزيونية بالتصريح بأن مجانية التعليم هو من أوصل التعليم إلى ما وصل إليه من إنهيار . 

وعلاوة على هذه الإختلالات الهيكلية فى بنية خطة البنك الدولى ، المغموسة بمعاداة مبدأ مجانية التعليم ، فإن الإنصاف والموضوعية العلمية تلزمنا بالإشارة إلى الدور السلبى والخطير الذى لعبته جائحة كورونا – التى ضربت العالم ومصر – طوال عامين كاملين (2020-2021 ) فعطلت عجلة الحياة جزئيا ، وأوقفت سير العملية التعليمية بكا ما فيها من نواقص وسلبيات لمدة عامين دراسين (2019/2020- 2020/2021 ) ، فزادت الطين بله ، وعمقت من نقاط الضعف فى هذه الخطة ، وأظهرت عدم كفاءة وإرتباك الوزير طارق شوقى وطاقم معاونيه فى وزارة التعليم . 

سادسا : كيف نعيد بناء المنظومة التعليمية والتربوية فى مصر .. رؤية بديلة

لقد استقرت دراسات علم النفس الاجتماعى ، وعلم نفس الطفل على أن الأطفال يتحركون فى تنشئتهم الاجتماعية والسلوكية والقيمية فى دوائر أربعة متداخلة ومتكاملة هى (13) :

 • دائرة الأسرة بكل ظروفها ومشاكلها .
• دائرة المدرسة بكل اختلالاتها وأحوالها .
• دائرة الصحبة أو الأصدقاء ، وما يصاحبها عادة من احتمالات للخطر .

• ثم دائرة أوسع يمثلها النسق الاعلامى والثقافى والقيمى فى المجتمع وفى القلب منه جهاز التليفزيون ، وما طرأ أخيرا من تأثيروسائل التواصل الاجتماعى وشبكة الانترنت .

ويتفاوت تأثير كل دائرة من هذه الدوائر وفقا لظروف التنشئة الاجتماعية من طفل الى آخر ، ومن فئة اجتماعية وعمرية الى أخرى ، ومن الملاحظ أنه قد برزت تطورات جديدة فى مساحة التأثير الخاصة بكل دائرة من هذة الدوائر خلال العقدين الماضيين .

ففى البدء كانت الأسرة هى صاحبة التأثير الأول والممتد  لسنوات طويلة من عمر الطفل ؛ فمنها يستمد الطفل قيمه ورموزه ، وفيها تتشكل مدركاته وأحاسيسه ، وعبرها تتأسس علاقاته مع الآخرين من أقربائه ومع الأشياء  ، ثم  مع  النمو  المتزايد  واتساع  نطاق التعليم  زاحمت المدرسة الأسرة  فى دورها التربوى  ثم شيئا فشىء ، اكتسحت أجهزة الأعلام المرئية - خاصة جهاز التليفزيون - الدائرتين السابقتين ، وأصبح بما يقدمه من أشخاص ورموز وقيم عبر الأعمال الدرامية المحلية أو الأجنبية منبع ومصدر لكثير من القيم والمفاهيم والسلوك لاعداد هائلة من الأطفال والنشىء والشباب ، ثم ما طرأ مؤخرا  تأثير لشبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعى الجديدة .

والمدرسة فوق كل ذلك مكان " التجميع الجبرى "  للمئات من الأطفال الذين تتقارب أعمارهم ، وتتوحد اهتماماتهم ومن ثم فهو المكان الذى لو أحسن التعامل معه من المجتمع وأجهزة الدولة فسيكون مركز وبوتقة التشكيل والصياغة الوجدانية والمعرفية .

وتساهم الفترة الزمنية الطويلة نسبيا التى يقضيها الطفل فى المدرسة ( 9 ساعات يوميا فى حالة اليوم الكامل ) طوال ستة شهور كاملة ؛ فى حيوية وأهمية تركيز أجهزة الدولة التربوية والتعليمية فى العمل داخل المدارس ومن خلالها ، واذا كانت المدرسة بهذا المعنى هى ملتقى ثلاث عمليات انسانية تمثل كيمياء التنشئة الاجتماعية وهى :

_المدرس وسلوكياته .
_المعارف العلمية والفكرية وأهميتها .
_الأنشطة التربوية والفنية كمهارات مكتسبة .

فأن المؤكد أن هذه المكونات الثلاث قد تعرضت للتآكل والانهيار طوال الخمسين عاما الماضية وتحديدا منذ عام 1974  .

ومن هنا خطورة تلك الأفكار المستحدثة التى أتى بها بعض المهندسين فى قمة السلطة بشأن تغليب عناصر التقنية الحديثة – برغم أهميتها - مثل التعليم عن بعد ، والتابلات وغيرها من الوسائل الفنية على حساب التواجد الحى بالمدرسة كحيز اجتماعى بأكثر من كونه حيزا جغرافيا ، وهذا ما أتت به خطة البنك الدولى  لما أسموه " إصلاح " التعليم فى مصر ، وأعتمدها الجنرال عبد الفتاح السيسى ووزيره للتعليم المهندس (طارق شوقى ) .

 والسؤال الأن : من أين نبدأ أذن فى إصلاح المنظومة التعليمية فى مصر ، أو بمعنى أدق " إعادة بناء هذه المنظومة التى أنهارت عمليا وتربويا ومعرفيا ؟ 

نستطيع أن نحدد خطة العمل إنطلاقا من عشرة مبادىء أساسية توجه عملنا هى : 

الأول: أن التواجد فى المدرسة هى ضرورة حياة أو موت ، ليس فقط من منظور تعليمى ، وإنما وهو الأهم من منظور تربوى حقيقى . 

الثانى : وبناء عليه فأن تقليل كثافات الفصول إلى ما دون 30 طالب / فصل ، هو هدف إستراتيجى حقيقى ، وهو ما يتطلب بناء وإستحداث 200 ألف فصل سنويا خلال السنوات الخمسة القادمة ( ملحق رقم 1) . 

الثالث : أن الوصول إلى هذا الهدف سيؤدى عمليا إلى تصحيح العملية التعليمية والتربوية من ناحية ، وستنهى – إلى جانب سياسات أضافية –آفة الدروس الخصوصية . 

الرابع : إلى جانب ذلك فأن تصحيح فورى لنظام الأجور والمرتبات بالقطاع الحكومى عموما ، والقطاع التعليمى خصوصا تصبح ضرورة حيوية لن يستقيم الأمر بدونها ( ملحق رقم 2)  . 

الخامس : أن محاربة الدروس الخصوصية على كافة المستويات السياسية والإعلامية والأمنية تصبح سياسة مكملة وضرورية لذلك . 

السادسة : إعادة بناء قطاع التفتيش والتوجيه داخل وزارة التربية والتعليم من ناحية ، وإستحداث هيئة مستقلة لتقييم الأداء التعليمى والتربوى للوزارة وقطاعاتها ومدارسها المختلفة تكون سلطتها مستقلة عن سلطة وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالى ، مع إعادة هيكلة قطاعات الوزارة وجهازها الإدارى والبيروقراطى و إلغاء الهيئة الهجينة المسمى " هيئة جودة التعليم " . 

السابعة : لن تنجح أية خطط لإعادة بناء منظومة التعليم والتربية فى مصر دون أن تكون جزءا من رؤية إستراتيجية شاملة يشارك فيها الجهاز الإعلامى الحكومى وغير الحكومى ، وقطاعات وزارة الثقافة وجهاز الشباب والرياضة ، فى إطار خطة متكاملة للدولة المصرية ، وفى هذا يمكن الاستعانة برؤيتنا المتضمنة فى كتاب " كيف نكتشف مواهب أطفالنا فى نظامنا التعليمى " الصادر عام 2010 ( ملحق رقم 3) .  

الثامنة : أن التطوير المستمر للمناهج التعليمية ، وتحديث الوسائل والوسائط المستخدمة والتوسع فيها بدءا من أجهزة الكبيوتر ، مرورا بالفيديوهات ، وأفلام العرض العلمية ، وزيارة المتاحف الحية النوعية ، وانتظام الرحلات الدراسية study tours  ، والحرص على الأنشطة التربوية والفنية بكافة أنواعها كجزء رئيسى فى المنهج التعليمى ، من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الجامعية مسألة ترتبط بمستقبل وفاعلية المنظومة التعليمية والتربوية ككل.

التاسعة :يحتاج إعادة مراجعة المستوى العلمى والأخلاقى للمعلمين ، إلى خطة متكاملة ، لا تستبعد من مقتضياتها طرد من لا يستحق أن يكون عضوا فى هذه الوظيفة المقدسة ، وإلى جانب البرامج التدريبية السنوية كل أجازة صيفية وفقا لبرامج جادة وصارمة ، ينبغى أن يخضع المعلمين والمديرين والموجهين إلى تقييم موضوعى تقوم به الهيئة المسئولة عن التقييم الشامل لأداء المنظومة التعليمية من ناحية ، وقطاع التفتيش الجديد داخل وزارة التربية والتعليم ذاتها ، وبدون هذا التقييم والتصحيح والتنقية لن يقوم للنظام التعليمى فى مصر قائمة ، من جراء سوس الفساد الذى نخر لسنوات طويلة فى هذه المنظومة التعليمية والتربوية . 

العاشرة :لن ينصلح حال المنظومة التعليمية والتربوية دون مشاركة حقيقية لأولياء الأمور والطلاب فى إدارة الشئون المدرسية ، والقول بأن نظام المدرسة اليابانية  المسمى برنامج"Mini-Tokkatsuالمعتمد فى اليابان ، ويتضمن فصول دراسية أضافية وأنشطة مدرسية مثل قيام الطفل بتنظيف فصله ، وقيادة الفصل لبعض الأيام ، والقيام بالقدرات الجمسانية والرياضية  والوجدانية والبحث فى المكتبات ، كلها عوامل كنا نقوم بها فى مدارسنا الحكومية فى  مصر منذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف الستينات ، حينما توقف كل شىء تقريبا بعد العدوان الإسرائيلى على مصر فى يونيه عام 1967 ، فهى ليست إختراعا جديدا بقدر ما هى أسس العمل التربوى فى منظومة تعليمية جادة وفعالة . ومن ثم لابد من مقرطة العملية التعليمية من خلال تفعيل مجالس الأباء ،  وتنظيم الحضور المنتظم لأولياء الأمور بصورة شهرية أو دورية فى يوم مخصص لذلك ، ومشاركة الطلاب فى تقييم البرامج التعليمية وأداء المدرسين ، بعد تحريرهم من آفة الدروس الخصوصية . 

تاسعا : تقييم لورقة الدكتور أحمد الحفناوى 

حرص الدكتور أحمد الحفناوى ، أستاذ النظم بكلية الهندسة – جامعة القاهرة – منذ اللحظة الأولى لنشر وثيقة خطة البنك الدولى المعتمدة من  وزارة التربية والتعليم فى مارس عام 2018 ، على تقديم رؤية نقدية لتلك الخطة ، مستندة إلى مفهومه وخبرته طبقا لمنهجيته من خلال التفكير المنظومى System Approach ، وقد توصل الدكتور أحمد الحفناوى إلى أن( إحتمال نجاح خطة البنك الدولى معدوم ، وتنفيذها سيكون له انعكاس خطير جدا على البلاد، فالخطة المطروحة من قبل البنك الدولي من المؤكد أن تفشل في تحقيق ما نسعى إليه من تطوير جذري للتعليم ، بل سيفشل في تحقيق العديد من نتائجه المستهدفة وهذا سيؤدى إلى ضياع هيبة الدولة بل وسقوطها) (14). 

والحقيقة أن إجتهاد أستاذ الهندسة ، والتحليل المنظومى برغم جديته وإخلاصه ، إلا أنه ينطلق من نفس الخلفية الفكرية  التى عانت منها خطة البنك الدولى فى مجال ما أسموه " إصلاح التعليم فى مصر " ، وذلك لعدة أسباب جوهرية هى : 

السبب الأول: أن نقد ورفض الدكتور أحمد الحفناوى ينطلق من أن التعليم فى مصر هو أيضا عملية تقنية ، وفنية وتكنولوجية ، ومن هنا سقط منه الأبعاد الاجتماعية والسياسية والفكرية لقضية التعليم مصحوبة بالمعامل التربوى الحقيقى . 

السبب الثانى: أن نقد أستاذ الهندسة أستند إلى أن تأثير إستخدام الأدوات والوسائط الإليكترونية فى التعليم سوف يغنى ، أو على الأقل يقلل من الحاجة إلى بناء مدارس وفصول جديدة لتخفيض كثافات الفصول ، التى هى مقتل النظام التعليمى المصرى كله ، وربما يكمن فى مكان ما فى الوعى الباطن لأستاذ الهندسة – وكذلك لخطة البنك الدولى ووزير التربية والتعليم الحالى طارق شوقى  – تجارب دول أوربية أو يابانية ، أو حتى أمريكية لعبت فيها الوسائل التكنولوجية والوسائط الحديثة دورا كبيرا فى التخفيف من حدة الكثافات فى الفصول ، وهو سياق تجارب مختلفة جذريا عن الحالة المصرية  وربما كثير من بلدان العالم الثالث . 

السبب الثالث: أن طريقة تنفيذ المخطط البديل الموضوع من جانب الدكتور الحفناوى ، بقدر ما سوف يوفر حوالى 9.0 مليارات جنيه عن خطة البنك الدولى ، ويخفض سنوات التنفيذ  إلى ثمانى سنوات بدلا من 13 عاما فى خطة البنك الدولى ، فأنها قد أستغرقت فى تفاصيل قد يكون من الصعب تطبيقها من قبيل البدء بألف مدرسة فقط من بين 45 ألف مدرسة ، والبدء بسنوات مختارة فى كل سنة ( أولى أبتدائى + رابعة إبتدائى + أولى أعدادى + أولى ثانوى ) فى العام الأول ، ثم يتم تعميم النتائج لنفس المراحل على جميع المدارس فى العام التالى ، ومن بعدها نبدأ بالسنوات اللاحقة ( ثانية إبتدائى + خامسة إبتدائى + ثانية إعدادى + ثانية ثانوى ) ، ثم يجرى تعميم النتائج فى السنة اللاحقة ، وهكذا دواليك . 

السبب الرابع : أن البعد الاجتماعى ومبدأ مجانية التعليم وضرورة إستعادة دور وحيوية المدرسة الحكومية التى تشكل  حوالى 75% على الأقل من المنخرطين فى النظام التعليمى قبل الجامعى ، لم يتعرض د. الحفناوى إليها على الإطلاق ، بل يبدو من الواضح فى تقريره أنه يحبذ أو يتحيز للمدرسة الخاصة ونجاحاتها ، برغم أن تحليل الأسباب والعوامل قد تصل بنا إلى نتائج مخالفة ، وهذه هى أحد السقطات الكبرى لمن يتناولون قضايا التعليم المصرى دون التأمل الدقيق فى فلسفته وروحه ، والهدف الاستراتيجى من وجوده فى ظل حالة الفقر وإنتشارها فى البلاد بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام السياسى الحاكم منذ عام 1974 حتى يومنا هذا (2021) .

ولا شك أن الطابع المنظومى لفكر وخبرة الرجل قد غلبت هذه التفاصيل التى يصعب تطبيقها بهذه الصورة على البيئة الاجتماعية والأسرية المصرية ، فالأسرة المصرية ليست قادرة بعد تكرار التجارب على تحمل تجارب جديدة ، فالتعليم فى مصر قد تحول إلى حقل تجارب مؤلم طوال أربعة عقود سابقة ، بعيدا عن جوهر الداء وهو الكثافة العالية بالفصول ، والدروس الخصوصية ، وتدنى الأجور والمرتبات ، وسقوط القيم التربوية فى النظام التعليمى ، ورفع الدولة يدها عن الانفاق الجدى ومعالجة جذور المشكلة بعد أن رفعت شعار " تخفيف العبء عن ميزانية الدولة " .

author-img

أخبار التاسعه

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage