بينما كان اللواء مصطفى عسران يتفقد سير العمل باحدى مشروعات التطوير الضخمة حاملا لوحات و رسوم المشروع لاحظ بقاء بقعة خضراء صغيرة بها ثلاثة أشجار بجوار الطريق المزمع شقه في هذا المكان وعندما راجع اللوحات وجد أنه كان من المفترض طبقا للرسم إزالة هذه الأشجار فاستدعى المسؤولين فأجمعوا أن المهندس نبيه عبد العليم و هو مهندس مدني يعمل مع شركة مقاولات متعاقدة مع الهيئة هو من أمرهم بالإبقاء على هذه الأشجار بعد أن أوضح للعمال أنها لا تعيق إنشاء الطريق اطلاقا بل و تضفي لمسة جمالية محببة للطريق و ربما تكون فاتحة ل تشجير جانبي الطريق بالكامل.
كان المهندس نبيه أحد المهندسين الواعدين بشركة الوطن العربي للبناء والتشييد التي يرأس مجلس إدارتها الملياردير بكر احمد بكر صديق عسران و هو نفس المقاول الذي يحتكر تقريبا مشروعات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
كان نبيه قد حصل على بكالوريوس الهندسة بتقدير ممتاز و ان تم تخطيه في التعيين بالجامعة لأسباب غير معروفة! بينما تم تعيين زميله الحاصل على جيد جدا بسبب قرابته لعميد الكلية، حصل نبيه على منحة شخصية لدراسة الماجستير بجامعة شتوتجارت الالمانية و حصل على الدرجة في ثلاث سنوات وعاد ليعمل لدى بكر أحمد بكر
كان اللواء مصطفى غاضبا للغاية و استدعى نبيه قائلا: ازاي يا افندي تتصرف بنفسك وتأخذ قرارات من دماغك؟
نبيه: سيادتك من الممكن الاحتفاظ بالأشجار و لن تؤثر على مسار الطريق
مصطفى: انت تلتزم و خلاص بلا شجر بلا زفت! في اعتبارات أمنية المدنيين اللي زيك ميعرفوش عنها حاجه! يا افندي الاشجار ممكن تستخدم لإخفاء عبوة ناسفة أو قناص! و الريس يتردد على هذا المكان لافتتاح المراحل المتتابعة من المشروع
نبيه: دي وظيفتكم تأمنوا المواكب و مش معقول نقطع اشجار مصر كلها كده
مصطفى: اما انك جاهل صحيح
نبيه: انا جاهل! انت اصلا لا مهندس ولا مساعد مهندس ولا معك اي درجة في الإدارة ولا العمارة و لا الفنون طبعا!! انت ازاي بقيت مشرف على ناس أكثر منك علما و كفاءة ..يا عدو الخضرة و فاقد الاحساس الفني و الجمالي
لم يتمالك اللواء مصطفى عسران اعصابه و صفع نبيه صفعة قوية ثم دفعه بكلتا يديه فسقط على حجر ضخم كاد يشج رأسه نصفين لكن الحظ حالفه فكسرت ذراعه فقط
تجمع العمال و فصلوا بين اللواء مصطفى والمهندس نبيه الذي كان يتلوى على الارض من الالم ..نظر اللواء مصطفى لنبيه باحتقار ثم بصق عليه و انصرف
نقل المهندس نبيه للمستشفى و من هناك اتصل بوالده الذي كان يعمل مدرسا للتاريخ قبل خروجه على المعاش و طلب منه رفع دعوى قانونية على اللواء مصطفى فأجابه بسخرية: و هم ها يحبسوا لواء علشان خاطر مدنى حتى لو كان مهندس و دارس في ألمانيا؟! انت عبيط يا ابني انت مش عارف تاريخ البلد اللي انت عايش فيه؟! في أي عصر أخذ مدني حقه من عسكري؟! ولا المسكنات و الحقن اللي أخذتها في المستشفى أثرت على مخك؟! اعقل يا بني الله يهديك
لزم نبيه منزله لمدة اسبوعين و هو يجتر ذكرى ما حدث له من اهانة و ضرب و تحقير من رجل لا يفقه شيئا و لا يجيد سوى الطاعة و الخضوع و النفاق فقط.
أرسل نبيه بريدا إلكترونيا لاستاذه السابق في جامعة شتوتجارت الدكتور يورجن ميلر مستفسرا عن إمكانية قبوله كطالب دكتوراه في القسم الذي يشرف عليه فوافق بشرط أن يقوم باعالة نفسه و تدبير نفقاته بمعرفته خلال العام الاول الى ان يتم تدبير تمويل له من هيئة البحوث الألمانية بمنحة تغطي فترة الدراسة بأكملها! وافق نبيه على الفور مخاطبا نفسه حتى لو عملت كبائع بسوبر ماركت أو موزعا الجرائد أو في مطبخ أحد المطاعم فلن أتعرض أبدا للصفع والضرب والبصق في ألمانيا ليست بلد لواءات