جلس عسران في شرفة قصره الفخم و هو يدخن سيجارا لأول مرة في حياته بعد أن أهداه ابنه خميس المقيم في إيطاليا علبة من سيجار ارتورو الشهير أثناء زيارته الأخيرة لمصر
ابتسم عسران و هو ينفث الدخان من السيجار الفاخر عندما تذكر ان ثمن السيجار الواحد من هذا الصنف أكثر من ثمانين دولارا وهو الذي بدأ حياته بتدخين الجوزه مستخدما علبة المبيد الحشري القديم بيروسول ثم تطور قليلا ليستخدم برطمانا زجاجيا
كان عسران يفكر فيما وصل إليه أولاده من مناصب مؤثرة و مراكز لم يكن يحلم بها لأحد منهم محبوب أصبح نجما إعلاميا مرموقا يأتي في المركز الثالث تقريبا بعد أحمد كوسا و نمر هديب و رغم أن برنامجه الاسبوعي كان يبث من قمر صناعي مصري و يذاع على قناة مصرية فإن محبوب كان ضيفا دائما على القنوات الخليجية بفضل دعم نمر هديب وإجادة محبوب لفنون النفاق و التهليل للحكام و قراراتهم التي كان يصفها بأنها قمة الحكمة و الذكاء و الدهاء و ستؤثر على الوضع الاقليمي و الدولي و ستقود الأمة العربية إلى مكانة لا تحلم بها الدول الاسكندنافية نفسها
مصطفى الابن الثاني قد يترقى قريبا لرتبة لواء بالهيئة الهندسية و ثروته تعدت الخمسين مليونا من الدولارات بفضل تعاونه من خلف الستار مع الملياردير بكر أحمد بكر الذي فاز بمعظم مناقصات الهيئة و يقوم ببناء مشروعات سكنية وتطوير محاور و شق طرق و كباري -بعضها لا ضرورة لها إطلاقًا- تغطي القطر المصري برمته
خميس الابن الثالث استقر في ايطاليا و يقيم مع صديقته الايطالية و أصبح من أعوان والدها رجل العصابات الشهير و أكبر مورد للكوكايين في جنوب أوروبا والشرق الأوسط
الابنة المدللة احلام تركت الجهاز المركزي للمحاسبات الي النيابة الادارية كمكافأة لها بعد أن أوقعت برئيسه الرجل الشريف و شهدت عليه شهادة زور بتعاونه مع تنظيمات معارضة بالخارج و نفذت كل ما طلبته الاجهزة السيادية منها و تزوجت من لواء -شرطة- هو مسعد ابو الخير الذي يقوم بشراء البودرة التي يرسلها خميس من إيطاليا فور وصولها للمعلم عسران الضبع و تسليمها للموزعين في أنحاء الجمهورية
بعد ساعات من التفكير توصل عسران لقناعة بأن ما ينقصه هو شخصية قضائية معروفة لتكتمل منظومة السلطة داخل أسرته.
تذكر عسران مستشارا دميم الوجه يدعى أبو النجا الشحات دائم الظهور في الصحف الحكومية و برامج أحمد كوسا و نمر هديب و من أكبر الموالين و الداعمين للنظام الحالي و كان اسم شهرته شعبيا هو "قاضي الإعدامات" إذ كان يصدر أحكام الإعدام بالجملة و احيانا من أول جلسة مما تسبب في إحراج مصر في المحافل الدولية و احتجاج منظمات حقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا بسبب افتقاد تلك المحاكمات لمعايير وشروط العدالة المتعارف والمتفق عليها دوليا
بالطبع لم تنفذ معظم هذه الإعدامات فقد كان الشحات احيانا يصدر حكما بإعدام مئة أو أكثر في أول جلسة مما كان يثير سخرية المصريين تذكر عسران أن صهره اللواء مسعد أبو الخير قد أخبره أن الشحات هذا لدية ابنة وحيدة تخطت سن الزواج لافتقادها التام لأي ملمح من ملامح الانوثة و الجمال و كراهية الناس لوالدها
أمر عسران ابنه محبوب الاعلامي الشهير أن يتقدم لخطبة ابنة أبو النجا الشحات، و كان محبوب قد شاهدها مرة واحدة في منزل شقيقته أحلام في حفل أقامه زوجها اللواء مسعد أبو الخير بمناسبة ترقية أحلام لمنصب أعلى بالنيابة الادارية
امتعض محبوب من طلب والده قائلا: حرام عليك يا بابا عايزني اتجوز رجل دي الفرق الوحيد بينها وبين ابوها الشنب بس
عسران: دي خلقة ربنا و احنا ناس تعرف ربنا
محبوب: اه بس يعني لو سمحت لي حضرتك انا اعرف انك لا مؤاخذة تعز الجمال و الرشاقة جدا و خصوصا اللي اسمها سابرينا البرازيلية دي
عسران: اخرس خالص ازاي يا كلب تتدخل في حياة ابوك الخاصة كده؟
محبوب: أنا آسف يا بابا بس حياتك الخاصة دي لا مؤاخذة مش خاصة ولا حاجة كل الدنيا عارفة أنك مرافقها و بيتصرف عليها ملايين
عسران: ما قلنا اخرس يا بن الجزمة! يعني رجل زي حالاتي مليونير و داخل قريب بحمد الله وتوفيقه على ملياردير و عندي شوية صحة عاوزني احرم نفسي و أكتفي بأمك و ضرتها؟ أنا زهقت من الأحجام البراميلي دي! و اخرس بقى
محبوب: يعني اتجوز واحدة و معرفش أقرب منها؟
عسران: الناقص يكمل يا مغفل؟
محبوب: اه فهمتك …يعني بنت المستشار للبيت و العيال و المزاج و الفرفشة بره..تمام كده؟
عسران: آه …انت عارف يا غبي ان ابو النجا الشحات ده ممكن يبقى وزير العدل في اول تعديل وزاري و ده لو حصل ها ينفعنا كثير في شغلنا و مشاريعنا و بنفوذه ها يطلعنا زي الشعرة من العجين من أي مصيبة نقع فيها
محبوب: اوامرك يا معلم نعصر على نفسنا ليمونه و نشيل البضاعة الراكدة
عسران: طيب معلش خذ بالك لما تيجي تعط يبقى بره مصر ..في الجولات الخارجية اللي بيطلعوك
فيها دي في اوروبا ولا امريكا ولا ابقى روح فسادستان بحجة زيارة أصدقاء الدراسة… عارفك تموت في الشعر الاسود الطويل والعينين الدوبلي جاتك نيلة فيك أنت و أمك