أنها لحظة مثيرة للغاية في تاريخ البشرية اذا كانت لديك النية أن تصبح طبيبا متخصصا في زراعة الأعضاء
منذ أسبوعين فقط، أفاد الأطباء في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية بإكمال أول عملية نقل ناجحة لقلب خنزير معدل وراثيا إلى مريض بشري حي
ربما نكون قاب قوسين أو أدنى من استخدام كلى الخنازير المعدلة وراثيا على نطاق واسع. في أواخر سبتمبر من العام الماضي ٢٠٢١ قام فريق من الباحثين بزرع كليتي خنزير معدلة وراثيا في جسم شخص مصاب ب الوفاة الدماغية (وهو فقدان لا رجعة فيه لجميع وظائف الدماغ الحيوية رغم استمرار القلب في العمل) في إجراء مصمم خصيصا لمحاكاة جراحة الزرع السريري المعتاد للكلى البشرية بالكامل
وبمجرد زرعها في جسم المريض، بدأت الكلى الجديدة في التعامل مع الدم الذي تدفق إليها بل وأنتجت البول حتى انتهاء التجربة بعد ٧٧ ساعة. ونشرت النتائج يوم الخميس الماضي في المجلة الأمريكية لزراعة الأعضاء
و أدلى الجراح الرئيسي في الدراسة الجديدة جايمي لوك، جراح زراعة الأعضاء في جامعة ألاباما في برمنغهام بتصريح قال فيه "لقد أثبتت تلك الجراحة التجريبية بالفعل أن لدينا المعرفة العلمية و البنية التحتية والإمكانيات لنتمكن من القيام بذلك
ما نرغب في الوصول إليه هو عملية جراحية موحدة و قياسية قابلة للتطبيق بصورة اعتيادية و تحقيق هذا الهدف سيكون بنفس أهمية إثبات أن كلى الجنزير قابلة للعمل بكفاءة في البشر
من أهم مخاطر زراعة الأعضاء بصفة عامة ما يقوم به جهاز المناعة من مقاومة (هجوم) للجسم الغريب سواء كان بكتيريا أو فيروس أو بروتين أو عضو مزروع (منقول) من شخص آخر و قدرة الجهاز المناعي على التمييز بين الذاتي و الدخيل رغم أهميتها القصوى في مقاومة العدوى و المرض فهي عائق كبير فيما يتعلق بعمليات الزرع
في الواقع قد تتسبب الاستجابة المناعية القوية في نهاية المطاف في رفض الجسم للعضو الجديد. لتجنب ذلك ، يصف الأطباء أدوية مثبطة للمناعة للمتلقي. للأسف هذه الأدوية أيضا تترك المريض عرضة للفيروسات والبكتيريا
يقول دوري سيغيف، أخصائي زراعة الكلى في جامعة جونز هوبكنز، والذي لم يشارك في البحث: الخطر الأكبر هو سوء التقدير في حساب التوازن بين الرفض والعدوى [كيفية ضبط جرعات الأدوية المثبطة للمناعة في متلقي العضو فإذا زادت الجرعة فقد تنهار المناعة و يتعرض المتلقى للعدوى بفيروسات و بكتيريا و فطريات متعددة وإذا قلت فقد يلفظ الجسم العضو المزروع] وبالنسبة للمرضى الذين يتلقون عضوا غير بشري يتضاعف هذا الخطر
يمكن أن تؤدي زراعة الأعضاء البشرية غير المتطابقة بشكل جيد (وفي حالات نادرة، عمليات زرع الأعضاء البشرية المطابقة أيضا) إلى ظاهرة تسمى الرفض المفرط، حيث يبدأ الجسم بمهاجمة العضو الجديد بقوة في غضون ساعات أو حتى دقائق من الجراحة
ا* "انه نوع مختلف من الرفض وهو عقبة رئيسية"، كما تقول بايج بوريت، مديرة عمليات الزرع المركب الوعائية والبحوث السريرية والتحويلية في معهد زراعة الأعضاء الشامل في جامعة ألاباما والمؤلف الرئيسي للدراسة
تغلب فريق بوريت على هذه العقبة باستخدام الكلى من خنزير مصمم بعشرة 10 تعديلات وراثية رئيسية لجعل أعضائه مطابقة بصورة أفضل للبشر. على سبيل المثال، تم تجهيز الخنزير المتبرع بالجينات المساعدة في الوقاية من جلطات الدم وتنظيم قوة الأوعية الدموية. و محو جين آخر يساهم في الاستجابة لهرمونات النمو، لضمان بقاء الكلى المزروعة بحجم كلية الإنسان داخل المتلقي يقول دكتور لوك: بالتأكيد لا أريد كلية بحجم خنزير! في إشارة ساخرة مبالغ فيها لما يمكن أن يحدث لو لم يتم محو الجين المسيطر على هرمون النمو في الخنزير المعدل وراثيا
لم تكن عملية الفريق الطبي في ألاباما أول عملية زرع كلية من خنزير إلى إنسان، فقد أجريت تلك العملية في 25 أيلول سبتمبر في جامعة نيويورك بمستشفى لانجون هيلث، وكان المتلقي أيضا شخصا توقف لديه النشاط الدماغي
يقول روبرت مونتغمري، مدير معهد لانغون لزراعة الأعضاء في جامعة نيويورك، الذي أجرى الجراحة مع فريقه: "كان الأمر شيقا و مبهرا للغاية" مع ملاحظة أن البروفيسور مونتغمري صمم أبحاثه مع زملائه على أساس اختبار جدوى زرع كلية واحدة فقط للمريض. عملت كلية الخنزير بنجاح ، استخلصت النفايات من الدم و تخلص منها الجسم في صورة البول الطبيعي، تم ربط الكلية بوعاء دموي في الساق العليا للمتلقي بدلا من زرعه في البطن كما يحدث عادة
في المقابل، أجرى فريق جامعة ألاباما عملية زرع سريرية كاملة، من تقييم توافق الأعضاء إلى إزالة كليتي المتلقي واستبدالها [xenotransplants] الزينوترانسبلانت
كما بذل الباحثون قصارى جهدهم لضمان تربية الخنزير [المتبرع!] في منشأة خالية من مسببات الأمراض (ظروف معقمة تماما مع وجود مرشحات (فلاتر) لمنع دخول الجراثيم للمكان) ، وقام مجلس الرقابة على الأخلاقيات الطبية بمراجعة العملية بأكملها. أوضحت بوريت: في بعض الأحيان كان ذلك أصعب من العمل الفعلي الذي كنا نقوم به
تمت جراحة الزرع نفسها بسهولة و سلاسة نسبية لم يلفظ جسم المتلقي الكليتين ذوي المنشأ الحيواني و لم تظهر أي أعراض على الرفض أو اللفظ الحاد، بدأت الكليتان في العمل بكفاءة و انتاج البول، أنتجت اليمنى ٧٠٠ مليلتر من البول وهو ما ينتجه الشخص البالغ الطبيعي في اليوم. في اليوم الأول للجراحة لم تنتج الكلية اليسرى سوى كمية ضئيلة و بدأت في التحسن التدريجي من اليوم الثاني وأشار دكتور لوك أنه من الطبيعي و المتوقع أن تتأخر حتى الكلية البشرية المزروعة في العمل حتى أسبوع مما يعني أن حتى الكلية اليسرى سوف تعمل جيدا في المستقبل
و من الجدير بالذكر أن الحفاظ على جسم الانسان بحالة جيدة لأكثر من أسبوع بعد الموت الدماغي عادة يمثل أحد الصعاب التى تعين على الفريق البحثي و الطبي مواجهتها
لاحظ البروفيسور مونتغمري في الجراحة التي قام بها في لانجون- نيويورك أن الكلى أصيبت بجلطات دموية صغيرة تسمى جلطات الفيبرين ، و برر ذلك بأنه غالبا قد يكون نتيجة لحالة المريض نفسه و مضاعفات ما بعد الموت الدماغي
وكان جيم بارسونز الذي تلقى الكلى في دراسة ألاباما قد توفي (دماغيا) من خمسة أيام قبل إجراء العملية، لذلك تم إنهاء التجربة بعد ثلاثة أيام إضافية عندما أصيب بفشل كبدي و حدثت مشاكل طبية أخرى
ويأمل الفريق في تسمية طريقته أو بروتوكوله في زرع الأعضاء الحيوانية ب "نموذج بارسونز" تكريما له ولعائلته.
يقول الدكتور سيجيف من بالتيمور بولاية ميريلاند للمرة الأولى على الإطلاق أشعر أنني سوف أرى الزينوترانسبلانت في مسيرتي المهنية" و يضيف أنا لا أقول ذلك باستخفاف بل بكل جدية
المصدر:
Pig Kidneys Transplanted to Human in Milestone Experiment, by Joanna Thompson, Scientific American, Jan 20, 2022
https://www.scientificamerican.com/article/pig-kidneys-transplanted-to-human-in-milestone-experiment/