إذا ما تصفحنا تاريخ المخابرات المصرية، سنجد ألف حكاية وحكاية تصلح للسرد التفصيلى ولا يمل منها أحد، وغالبًا ما تُحوّل تلك الحكايات إلى أعمال درامية قد ينقصها الدقة أحيانًا، وهذا ما حدث مع "ثعلب المخابرات" الفريق محمد رفعت جبريل رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، الذي عُرف بشدة ذكائه ودهائه منقطع النظير، وتم تحويل قصة بطولته إلى مسلسل يحمل اسم "الثعلب" وجسد دوره الفنان الراحل نور الشريف، كما جسد شخصيته الفنان محمود ياسين فى فيلم "الصعود للهاوية"
الفريق محمد رفعت إبراهيم عثمان جبريل
رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، عرف بشدة ذكائه الذي تسبب في تقديمه عددا كبيرا من البطولات المخابراتية على مدى حياته.
بدأ حياته العملية كضابط في سلاح المدفعية، ثم انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار قبيل ثورة يوليو، ومن ثم انضم إلى المخابرات العامة المصرية بعد إنشائها ليتخصص في مقاومة الجاسوسية، وخاصة النشاط الإسرائيلي حتى أصبح مدير مقاومة الجاسوسية، ثم رئيسًا لهيئة الأمن القومي ثم رئيسا للجهاز.
من أشهر العمليات المخابراتية التي شارك بها هي زراعة "رفعت الجمال" أو رأفت الهجان في قلب إسرائيل، حيث قام بدور محوري في تجهيزه وإعادة زرعه في المجتمع الإسرائيلي بعدما ظل لفترة طويلة "غير موجود"، ووقتها سافر الفريق عدة مرات إلى قلب إسرائيل لتنظيم تلك العملية
كما لعب دورا هاما في عملية القبض على ضابط بالمخابرات الإسرائيلية، ويدعى باروخ مزراحي، حينما انتحل شخصية صحفي كويتي بعدما عثر معه على أفلام وصور لبعض القطع الحربية التي تعبر من طريق باب المندب.
وإلى الكويت سافر الثعلب لاستلام الجاسوس، حيث عبر طريق الصحراء والوديان إلى أن وصل إلى البحر، وهناك تم التقاطه بغواصه مصرية، فيما كانت المقاتلات الإسرئيلية خلفه، إلا أنهم لم يستطيعوا إنقاذ ضابطهم، الذي تمت مقايضته فيما بعد بـ 65 فدائيا فلسطينيا من سكان الضفة والقطاع، بالإضافة إلى اثنين من أهم الجواسيس المصريين في تل أبيب وهما "عبد الرحيم قرمان أو عابد كرمان"، و"توفيق فايد البطاح".
لعب دورا هاما في عملية القبض على الجاسوسة "هبة سليم"، التي تسببت في مقتل عشرات الجنود المصريين أثناء حرب الاستنزاف، بسبب تسريبها المعلومات الحربية التي كانت تعرفها من خطيبها فاروق الفقي إلى جهاز الموساد.
قام الثعلب باستدراج الجاسوسة إلى مطار ليبيا، بعدما أوهمها بأن والدها مريض هناك، ليقوم بنقلها بعد ذلك إلى القاهرة حيث تم إعدامها.
وقد جسد الفنان محمود ياسين دور جبريل في فيلم "الصعود إلى الهاوية"، فيما رصد الموساد الإسرائيلي 2 مليون دولار لمن يغتال البطل المصري رفعت جبريل، الذي أُطلِق عليه لقب "الثعلب".
لكن تبقى العملية الأخطر في تاريخ إنجازات "جبريل" تلك التي كلفه بها رئيس جهاز المخابرات آنذاك
اللواء أحمد إسماعيل بناء على تكليفه من جانب الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بأن يتجسس على اجتماعات الموساد في أوروبا قبل حرب أكتوبر، قائلًا له جملته الشهيرة: "أريد أن تضعوا لى كرسيًّا فى هذه الاجتماعات"
طلب اللواء أحمد إسماعيل من رجاله أن يتحققوا من الأمر، فقال له "جبريل": "امهلني شهرين فقط لدراسة الموضوع"، وعرف أن هناك شقة في أحد أحياء العواصم الأوربية تشهد اجتماعات لجهاز الموساد للتخطيط ضد مصر، وتمكن من زرع أجهزة تنصت داخل تلك الشقة بشكل دقيق وسري، وعن تلك العملية قال: "كنا نعلم أننا إذا انكشف أمرنا فلن يساعدنا أحد.. فهذه طبيعة عملنا.. والأخطر أن الدولة التى تمت فيها عملية التنصت كانت تطبق عقوبة الإعدام على من يستخدم أراضيها للتجسس
نجحت العملية في ميعادها المحدد، وحصلت المخابرات بفضل الثعلب رفعت جبريل
على صوت نقي ومسموع لاجتماعات الموساد
وحقق للرئيس انور السادات ما أراده قائلًا: "وضعنا له كرسيا فى اجتماعات المتآمرين ضد مصر".
ظل الفريق رفعت جبريل صامت حتي بعد بلوغه سن التقاعد، إلا أن خرج عن صمته في حوار مع إحدى الصحف الخاصة، كشف خلاله عن أدق تفاصيل عملياته ناقدًا تناول الدراما له بشكل غير دقيق،
رحل عن عالمنا في 14 ديسمبر عام 2009 بعد حياة حافلة من الكفاح و البطولات