JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
الصفحة الرئيسية

مالك خوري يكتب : فيلم " أميرة", أو الوليد الهجين لحالة سينمائية عربية عامة


فيلم "اميرة" قسم العرب مؤخرا بين المعسكرين الأعلى صوتا هده الأيام في اعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي قي عالمنا العربي: الطرف الأول يضم معارضين للفيلم من المطالبين، وباسم "الوطنية" و"الدين" و"الكرامة" و"الأخلاق" بمحو الفيلم من الوجود وعدم عرضه وحتى معاقبة فريق عمله ومن تعاون معهم. ومعارضة الترهيب والتخويف هده لا تسهم بالنهاية الا في تسطيح القضايا المطروحة وبالتالي تكسيل عملية الفهم الجمعي لتعقيداتها الوضعية والسياسية. أما الطرف الآخر فيضم مؤيدين للفيلم يدافعون عنه، وهؤلاء أنفسهم تعودنا سماعهم في مثل هده القضايا وهم يتخفون بخبث وراء شعارات "حرية التعبير" و"الحرية" لاسداء تأييدهم حيثيا لمنتج "فني" يخدم أهداف "أنسنة" الصهيونية وسياساتها وتاريخها والممارسات الاستعمارية في المنطقة. 

والطرفان بالنهاية يحترفان محاولة فرض الوصاية على العقل العربي: احدهما عبر القمع والمنع والتهديد (بما يتناغم مع فكر التكفير والاقصاء والديماغوجية). وثانيهما عبر التبسيط من شان التعاطي مع قضايا محورية في مجتمعاتنا وكانها قضايا لا تعنينا جديا ولا يعيش ويكابد ويموت في آتون صراعاتها ومآسيها الملايين من ابناء شعوب المنطقة...هي بالنسبة لهؤلاء تمثل مجرد موضوع سينمائي شيق للعبة "ما بعد حداثية" يمضغها الجمهور مثل "البوب كورن" ثم يخرج من قاعة العرض مصفقا لمخيلة المخرج "الخصبة".

الفيلم ورد الفعل السلبي عليه

كلنا أضحى يعرف قصة الفيلم: عملية تلقيح صناعي من نطفة مهربة من والد أسير في سجن إسرائيلي تنتهي في ولادة ابنة له خارج السجن. لكن في إحدى الزيارات التي تقوم بها أميرة الى والدها في السجن، يطلب السجين من الأم إنجاب طفل آخر بنفس الطريقة. بالنهاية، توافق الزوجة وتتم عملية التهريب. في هدا السياق يكتشف الأطباء المشرفين على زرع النطفة أنها لشخص عقيم. مسلكية الأم في هده المعمعة تصبح تحت المجهر، لتعترف الأم أخيرا بالخيانة مع الطبيب. لجعل الموضوع أكثر تعقيدا، نكتشف بالنهاية أن الأب الحقيقي هو في الواقع ضابط اسرائيلي .

الفيلم ضعيف فنيا خصوصا على صعيد السيناريو والاخراج. لكن أهم نقطة ضعف تكمن في ضرب الكاتب بعرض الحائط باداء واجبه البحثي المتكامل لتفصيلات عمليات نقل النطف من السجون والتعقيدات المحيطة بها والتي تجعل من سيناريو الفيلم ضربا من الخيال العلمي والدي من الصعب تصديقه. وفي عمل يعتمد على التشويق المرتبط بالحبكة "الاستقصائية"، فان مثل هده الثغرة السردية تعكس ضعفا أساسيا في بنية الفيلم. عدا عن أنها تضع الفيلم، وأخدا بالاعتبار الحساسية السياسية للموضوع، في باب المساءلة عن السبب وراء هدا التعاطي غير المسؤول مع القضية المطروحة ككل. وهدا ما حصل بالفعل، وهو ما دفع الكثيرين الى ادانة الفيلم والدعوة الى "تحريمه" وسحبه من التداول والعرض. 

رد الفعل هدا وان كان مفهوما، فانه يموه على خطورة الموضوع وآلياته الحقيقية، ويصب في خانة دعم من يحترف في هده الأيام "تحريم" ومنع ومراقبة وقمع الأعمال الفنية في بلادنا، بدءا من أصحاب الهيمنة الطبقية/السياسية وانتهاء بالمتلطين بالدين ومؤسساته المهيمنة ايديولوجيا على مجتمعاتنا. في هدا الاطار، يصبح من الضرورة اعادة التأكيد على القطع مع ممارسات فرض الوصاية على ما يراه الجمهور وبالتالي التعامل معه ككيان قاصر وغير قادر أو جدير باستيعاب تعقيدات الامور حوله! ان مشاركة الجمهور في مشاهدة ما نتحدث عنه ونناقشه هي أولوية لم يعد من المسموح المساومة عليها تحت أي ظروف. فما قد يضيفه هذا الجمهور الى مثل هكدا نقاشات تستتبع رفضا بالمطلق لسياسة القمع الرقابي بكل أنواعها، وبكل أنواعها المباشرة وغير المباشرة. 

كبف نتعامل مع فيلم نرفض طروحاته؟

اما الأهم في سياق القاء الضوء على اهمية الفيلم والمتابعة الجدية للخطورة السياسية لمفاعيله فيستتبع حكما كشف آلياته ومكامن النفود والقوة التي تجعلان من تحقيقه وتسويقه ممكنا، بل طبيعيا، في الظروف التي نعيشها. هدا ما يدعم المواجهة الفعلية مع هدا النوع من الأفلام، ويساهم في خلق وتطوير ثقافة سينمائية مقاومة للتطبيع وادواته. ولكي نستوعب هدا، ينبغي ايضا فهم الموقف الفعلي للجمهور والتعاطي بجدية مع رفضه الواضح لتشويه ولاستهزاء الفيلم بحقيقة ممارسة هي بالفعل شكلت تعبيرا عن اصرار الانسان الفلسطيني على الحياة رغم السجن والقهر، وعلى مقاومته للاستيطان الصهيوني الكولونيالي في فلسطين بالرغم من كل ظروف القتل والعنف والقمع التي تواجهه. 

في ستينات القرن الماضي كان يبحث التقدميون في الثقافة والعمل السينمائي عن وسائل لاستفزاز الجمهور للخروج من حالة التلقي السلبي والتعاطي النقدي مع كل "المسلمات" الايديولوجية التي تحيط به ... كلها: السياسية والاخلاقية والدينية والابستمولوجية. ولهذا استوحى جان لوك غودار، على سبيل المثال، من المسرحي الالماني الماركسي برتولت بريشت الممارسات "التغريبية" في التقديم الفني. فكان يبحث عن الطرق التي تغير طبيعة علاقة المشاهد بالسينما: ما يقطع تناغم المشاهد مع ما يراه، بل ما يستفزه ليجابه ما يراه وما يسمعه بالجدل وبالتمحيص. 

طريق بناء البديل بالنسبة لهؤلاء الطليعيين كانت في صلبها عملية حفز للرؤية النقدية والعلمية للمشاهد، وليس "للتفكير عنه" وباسمه، ومشاهدة الافلام عنه وتقرير ما هو مناسب وما هو غير مناسب له كي يراه. هم لم يدعوا "لرجم" ومقاطعة ومنع سينما هوليوود واوهامها وترهاتها على سبيل المثال. فهذا اسلوب الفاشية، وليس اسلوب التقدميين. هؤلاء دعوا لنقاش آليات السينما السائدة ومكامن قوتها، وذلك في اطار الرفع من مستوى القدرة على المواجهة الجمعية على ارساء فهم اكثر علمية واقل ايديولوجية للعالم الذين يعيشون داخله.

متغيرات خطيرة في الواقع السينمائي العربي

هناك تغيرات أساسية طرأت على طبيعة القوى المهيمنة على الصناعة والثقافة السينمائية في العالم العربي تجعل من فرز أفلام مثل "أميرة" أكثر احتمالا وتكرارا. فهناك تغيرات في تركيبة رأس المال الاحتكاري المحلي، أو الكارتيل المهيمن، وبشكل خاص لجهة ازدياد دور حلقات رأس المال الخليجي ضمن بنية الانتاج والادارة في الصناعة السينمائية العربية، وازدياد هيمنتها على العديد من شركات التوزيع والدعاية والعرض الملحقة وشركات التلفزيون والصحافة. وهده تحولت في الواقع الى عامل سياسي اقتصادي متكامل الأطراف والقوة. فجزء ضخم من صناعة السينما بمفهومها الأوسع في العالم العربي أضحت مرتبطة بكارتيل ضخم ودوائر واسعة متفاعلة معه وتشمل حتى ادارات المهرجانات السينمائية الكبرى وشركات الدعاية للأفلام وصالات العرض الشعبية منها الى سينمات المولات التجارية الى دور العرض الفجة في بذاختها وأسعارها في الدول الخليجية. ولزيادة "الطينة بلة" فقد وضع العديد من النقاد والصحافيين والعاملين في الاعلام السينمائي أنفسهم رهن توجيهات وارادة هذا الكارتيل ودوائره الفرعية في الصحافة والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. 


وتعمل بعض المكونات الانتاجية لهذا الكارتيل جاهدة اليوم على اضفاء صورة مزيفة عن نفسها كداعم "للسينما المستقلة". فضمن وضع أطر محددة لعملها، تسهم هذه الحلقات من خلال ارتباطاتها المالية والاعلامية والسياسية في تشجيع وتكريس رؤى محدودة و"مبسترة" للتعبير السينمائي في العالم العربي. ويتم هذا عبر حصر مفهوم التعبير السينمائي ضمن أطر تتلاءم، أو بالأقل لا تتناقض مع ما هو مسموح به او ما يتناغم مع تفكير ومصالح القوى السياسية/الاقتصادية الطبفية والسياسية المهيمنة عليها. وفي اطار تراجع العديد من الدول العربية، مثل مصر، عن سياسات دعم الدولة للانتاج السينمائي المحلي، فان التنسيق المتعدد الوجوه بين قوى الهيمنة الجديدة من ناحية، وبين بعض المؤسسات "غير الحكومية" المحلية أوالتابعة لبعض الدول الخليجية أو لدول الاتحاد الأوروبي )والتي توفر بعض أشكال الدعم المالي أو اللوجستي لأعمال سينمائيين شباب من العالم العربي(، من ناحية أخرى، يؤدي الى مزيد من التدجين الفكري والفني والايديولوجي للثقافة السينمائية العربية الجديدة، ويخلق ظروفا مناسبة أكثر للكتابات السينمائية السطحية التي تسهم في احباط مستوى الثقافة السينمائية عندنا بشكل عام.

وخلال الأعوام الخمس الماضية بدأ على العمل على تأسيس وتطوير وتوسيع مؤسسات تعمل في مجال التوزيع والتسويق والعرض للأفلام العربية، وكلها على ارتباط مباشر بتمويل خليجي مؤسساتي وفردي ورسمي. كل هذا يتم في اطار وجود علاقات واضحة، مهنيا ولوجستيا وحتى شخصيا بين الذين يقودون عمل هذه المؤسسات، وشبكة كبيرة من "النقاد" والصحافيين المحليين، وبعض العاملين ضمن لجان اختيار الافلام داخل بعض المهرجانات ومؤسسات ضمن الصناعة السينمائية الخاصة. وبدأ بعض من هؤلاء، وبحكم عملهم كنقاد او منتجين او فنانين او موزعين او مسوقين، يتشاركون في تناوب العمل والموقع ضمن لجان تتمتع بقرارات تنفيذية بالنسبة لترشيح أواختيار او استبعاد ترشيح الافلام العربية في مهرجانات او مسابقات افلام عالمية. 

ومع التطورات الجيوسياسية الحالية في المنطقة بما في ذلك الجنوح المتسارع لعدد من الدول الخليجية والعربية للتطبيع السياسي والثقافي مع "اسرائيل"، فنحن اليوم أمام ارتدادات لا بد من توقعها في الساحة الثقافية. ويدخل على الخط من وراء الكواليس السينمائية بعض الشركات والشخصيات الداعمة لاسرائيل أو المعروفة بتأييدها المباشر لانتاج وتوزيع السينما الاسرائيلية أو الداعمة للصهيونية. ومن بين هؤلاء العديد من مشايخ دول الخليج الدين جعلوا من نفسهم هده الأيام "حمامات سلام" في المنطقة، وأدوات للحض على نسيان الماضي و"لفتح صفحة جديدة" للعلاقات مع الكيان الصهيوني. في هدا الجو يمكن التعاطي سينمائيا مع موضوع مثل موضوع فلسطين بما يتجاوز "تزمت" و"عصبيات" الماضي ومن غير "عقده" )نسمع مثل هده التصريحات يوميا في الاعلام الخليجي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

سينما التضامن مع فلسطين

وفي هدا السياق فان "سينما التضامن مع فلسطين" تمر بدورها في مرحلة شديدة الخطورة سيكون لها دور مفصلي في رسم ملامح الثيمة والشكل الخاصين بهذه السينما. فقد ازداد خلال العقدين الماضيين اهتمام كثير من السينمائيين بالاستفادة من دعم مؤسسات عالمية وعربية أضفت على نفسها طابع المحتضن "للسينما المستقلة". هذا النوع من السينما استطاع الاستفادة عالميا من دعم منظمات حكومية وغير حكومية خصوصا في بعض دول الاتحاد الاوروبي، أو تلك الممولة من قبل بعض الدول الخليجية. ضمن المستفيدين كان العديد من السينمائيين الفلسطينيين أو المهتمين بالشأن الفلسطيني. لكن تبعا لطبيعتها وارتباطاتها المالية والسياسية، كان من الطبيعي أن تسهم هذه المؤسسات في تشجيع رؤى محددة و"مبسترة" حول موضوع فلسطين. حيث جرى تدريجيا تقليص حجم المروحة السياسية والشكلية لهذا الشكل من التعبير السينمائي الى أطر تلاءمت، أو بالأقل لم تتناقض مع مصالح القوى المهيمنة عليها )والأمثلة كثيرة جدا في هدا المجال، (خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة). 

وترجمت هذه التوجهات من خلال أفلام شددت في مضمونها الفكري العام على الطبيعة "الانسانية" لما يعاني منه الفلسطينيون على يد "اسرائيل". وركزت الكثير من هذه الأفلام على الادانة الجزئية للممارسات "الاسرائيلية" تجاه الفلسطينيين، (وهدا يبقى مقبولا غربيا وخليجيا)، وبالتالي وجهت الانتباه نحو الدعوة لايجاد طرق للوصول الى "تعايش السلمي" بين الفلسطينيين و"الاسرائيليين". هذه السينما تميل الى تفادي طرح الصراع في فلسطين أو المنطقة ضمن سياقه السياسي والتاريخي الأشمل والأعمق، خصوصا لجهة التعاطي مع الصهيونية كحركة كولونيالية استيطانية عنصرية، وعلاقة ذلك بمصالح الاستعمارين القديم والجديد في المنطقة. 

أن هذا النوع "المبستر" من ‘سينما التضامن مع فلسطين’ (ومنه فيلم "أميرة")، وعلى الرغم من بعض النجاحات التي حققها في بعض الأوساط السينيفيلية في العالم، ساهم من ناحية أخرى في الاضعاف من قوة وعمق الطروحات الفكرية وحتى الفنية لهذه السينما، وجعلها تتخذ طابعا سطحيا وغير واقعي. وان كانت هذه السينما قد تلاءمت في شكلها العام مع ما تتعاطف معه الأوساط المهيمنة في بعض المهرجانات السينمائية العربية والعالمية، فان أفلامها ساهمت في تفريغ طرح الموضوع الفلسطيني من حيثياته التاريخية والطبقية. كما ساهمت أيضا في عزل هذه السينما أكثر وأكثر عن جمهورها الفلسطيني والعربي والعالمي القابع خارج جدارات هذه المهرجانات.

الكارتيل و"أميرة"

لهدا فان ما حصل مع فيلم "أميرة" من مرحلة ما قبل انتاجه الى مرحلة انتاجه ثم تسويقه عالميا لم يأتي من فراغ. فمن هما المخرجين الذين كانا في صلب تكوين الفيلم (محمد دياب) ودعم تكوين الفيلم (هاني ابو اسعد)؟ ادا رجعنا الى الوراء قليلا نلاحظ أن كلاهما من النوع الذي اعتاد طرح مواضيع ذات علاقة بالواقع السياسي الخاص ببيئتهما الاجتماعية، لكن في الوقت الدي يتناسب مع اللحظة التي يكون فيها العالم السينمائي في الغرب مهتما بما يحدث في المنطقة العربية وما يدور فيها. 

ولكنهما تميزا ايضا بميلهما الى التعاطي مع السياسة "عن بعيد" وكانهما يحاولان دوما الظهور بمظهر المتفرج المحايد، وان كانا ايضا يبدوان حريصين على اضفاء مسحة ميلودرامية "انسانية" على رؤيتهما لأحداث وثيمة أفلامهما. هكدا تعاطى دياب مع السياسة على سبيل المثال حين تناول موضوع التحرش في فيلمه "القاهرة 678" عام 2010 أو حين قارب موضوعة الصراع مع الاخوان في فيلم "اشتباك" عام 2016. وكأن وجهة النظر السياسية في اطار مواضيع أفلامه هو الطاعون الدي لا يمكن الاقتراب منه خصوصا لجهة التعليق عليه. 

وهدا ما اعتاد هاني أبو أسعد على القيام به لدى تعاطيه مع الموضوع الفلسطيني. من "الجنة الآن" عام 2005، مرورا ب"عمر" في 2012، الى "آيدول" عام 2015 (فقط كأمثلة معروفة)، يركز أسعد دوما (هكدا يقول) على "البعد الانساني" في القضية الفلسطينية. وبالمناسبة، فهدا ليس خطأ بحد داته. لكن الخطأ هو في محاولة اللعب على الأوهام الايديولوجية في فصل الانساني عن السياسي، خصوصا في اطار موضوع مثل القضية الفلسطينية. حيث أنه في اطار واقعنا العربي مند أوائل القرن الحالي، فهدا يعني التعاطي مع الاستيطان الصهيوني في فلسطين كمجرد صراع "انساني" أو ديني، أو عنصري، أو فردي على أرض متنازع عليها. وبالتالي فان الحل لهكدا واقع لا بد أن يتم في اطار الاتفاق بين الطرفين على أن "يحبوا بعضهم بعضا، يتقاسموا ما هم مختلفون حوله ... وكفى المؤمنين شر القتال. 

لكن هكدا صورة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة والواقع التاريخيين للصراع في المنطقة. ومساهمة أي عربي أو فلسطيني في اعادة تدوير هدا الوهم الايديولوجي وبأي شكل كان، هو دعم مباشر للصهيونية، خصوصا في هده المرحلة التاريخية لجدلية الصراع القائم. والمثقف والسينمائي العربي والفلسطيني الدي لا يميز ولا يشير الى البعد السياسي الحاضر، بل يموه ويغطي على الخلفية التاريخية السياسية بامتياز لهدا الصراع، فهو يختار الانحياز الى المعسكر المعادي للحق السياسي للشعب الفلسطيني في وطنه. وأكثر من هدا، يكون قد اختيار الانحياز الى المشروع الاستعماري التقسيمي في منطقتنا، والدي بدأ في فلسطين ويدق اليوم أبواب كل وطن عربي موجود على الخارطة. 

فادا كنتم بالفعل لا تستيغون التعاطي في السياسة ولا مقاربة مفاعيلها، فبكل بساطة نقول لكم، لا تتعاطوا مع ثيماتها مند البداية. أما أن "يأخد على خاطركم" وتنتفضون ضد النقد القاسي تجاه تأويلاتكم للواقع السياسي، وأن تتوقعوا منا السكوت على تشويهكم للواقع الحالي والتاريخي لما يحدث في المنطقة كرمى لنيل رضى اللوبيات الصهيونية في كان وفينيسيا وبرلين وغيرها وكسب بعض الجوائز والتقديرات، فهدا لن يحصل. وطالما هناك مقاوم واحد على هده الأرض ما زال يؤمن بالحق وبالحرية الحقيقية من نير الاستعمار الغربي على عقولنا وأرواحنا وأوطاننا، سنرفض هدا الغزو المقنع ضد الداكرة والعقل والوعي العربي الجمعي للسياسة وللتاريخ.    

بيد أن قصة الفيلم لا تنتهي عند هدين المخرجين. فادا نظرنا الى لائحة الأسماء وراء تمويل الفيلم وتسويقة عالميا ومحليا نجد على سبيل المثال لا الحصر فيلم كلينك (محمد حفظي)، وأكاميديا (معز مسعود)، وآراب ميديا، بالاضافة الى ماد سوليوشن وكلها جهات معروفة بارتباطاتها الخليجية وكدلك بارتباطاتها غير المباشرة بالسعودي تركي الشيخ. أضف الى كل هؤلاء علاقاتهم الوطيدة مع المركز العربي للسينما والممول بدوره خليجيا، مضافا اليهم جوقة "النقاد" من المجموعة التي تهيمن حاليا على ما كانت تمثل أهم جمعية لنقاد السينما في العالم العربي وأصبحت اليوم بفضل علاقات هده المجموعة خليجيا تمثل "النقاد السينمائيين العرب" على المستوى" العالمي تفهم عمليا كيف يص فيلم مثل أميرة" الى ما وصل اليه عالميا، على الرغم من وضاعته، سخافته، وضعف بنيته السينمائية. 

المطلوب تضامن جدي بوجه الهيمنة 

وحتى بعد بعد انفضاح سخافة الفيلم وتحويره للواقع والتاريخ الفلسطيني، انبرى المدافعون التقليديون عن التيار المهيمن حاليا على الحالة السينمائية العربية للدفاع عن "الهفوات" التي اصبحت تمثل نمطا لممارساتها على ارض الواقع. والمفارقة، هي أن اسلوبهم في الدفاع يجتر نفسه مجددا، خصوصا في كل مرة يحاول فيه أحد مشغليهم القيام بمغامرة تطبيعية جديدة مع الكيان الصهيوني: من محاولات الاتيان بسينمائيين يدعمون اسرائيل الى مهرجانات عربية، الى محاولات ادراج افلام مدعومة صهيونيا في برامج عروض مهرجانية عربية، الى الاستماتة في الدفاع عن سينمائيين عرب يدعون علنا للتطبيع مع الكيان. في كل مرة، يحاول هؤلاء تسخيف مقاومة الجمهور لهذه المحاولات التي تفشل في معظم الأحيان، داعين الى تجاوز هذه الانتقادات "البالية" والرضوخ لما يحاول اسيادهم فرضه على الجمهور العربي الرافض للتطبيع مع الصهيونية. 

مؤخرا، عادت المعلقة الفلسطينية الاردنية علا الشيخ لنفس المنطق في دفاعها عن فيلم "اميرة". الناقدة التي تربطها بمجموعة الكارتيل السينمائي المشار اليه سابقا علاقة عمل قوية، رفضت مؤخرا حملات التخوين والاساءة الى صناع الفيلم، باعتبار ان هذا الاسلوب لم يعد مقبولا. تقول الشيخ "لا يصح خلط الحابل بالنابل.. فريق عمل فيلم أميرة من مخرجين ومنتجين وممثلين فريق محترم وقدم تاريخيا كتير أعمال مهمة.. حتى على الصعيد الفلسطيني، لا تجعل غضبك يحولك لشخص معه سوط يجلد فيه وتبدأ في إصدار أحكام". وتابعت، "فيلم تناول قضية حساسة ومحورية في شكل الصمود الفلسطيني، وطبيعي يصير عليه ردة فعل ومن حقك كمشاهد انك تعبر عن رأيك وترفض الفكرة بس مش من حقك تخوّن صكوك الوطنية مش انت اللي بتحددها.. لا يصح أن تتهم أحد بعدم الوطنية." (تأويل في موقع "في الفن"، 8 ديسمبر 2021)

لكن هل تكرار مثل هذه "الهفوات" المسيئة ومن قبل نفس الأفراد والمجموعات بما لا يخدم الا الخطاب الصهيوني، يمكن النظر اليه بالفعل كممارسة "بريئة" ولا "حول لها ولا قوة"؟! أو هل يمكن لنا أن نصدق أن فنان فلسطيني بمستوى هاني أبو أسعد لا يستوعب أو على غير دراية بتعقيدات ما يحصل في موضوع هو في الواقع متداول في تفاصيله على لسان كل فلسطيني؟ وألا تصب مثل هده "الهفوات" من خلال السينما في خانة تسطيح فهم العالم الغربي والعربي للصراع القائم منذ عقود حول فلسطين، وتسهم في الدعم المباشر للنهج الاستسلامي وحالة عدم الاكتراث والاستصغار التي ينظر من خلالها الكثير من العرب تجاه القضية الفلسطينية؟ 

ما حصل مع فيلم "أميرة" هو مثال على ظاهرة تطغى على الثقافة السينمائية العربية حاليا، والتي لا يمكن مواجهتها الا بالعمل التضامني الجماعي لخلق أطر جديدة على الأقل لمقاومة هدا التيار ودحر بعض مفاعيل أعماله.

author-img

أخبار التاسعه

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة