علي محمد علي يكتب : عن مجنون العظمة و شعب القطط


إذا الشعب يعاني كل هذه المعاناة ، لماذا لا ينتفض ؟ وإذا كان لا يعاني ، فلماذا يشتكي ؟ وإن كان يشتكي ، فلمن يوجه شكواه ؟ هل يجوز توجهيها لمن تسبب في الشكوى !؟ ، وإن كان لا يشتكي ولا يعاني ، فلماذا لا يتقدم ويزدهر ؟ وإن كان يعاني ولا يشتكي ، فلماذا يعيش !؟، وإن كان يعيش ميتًا ، فلماذا لم يعلن الحداد على نفسه حتى الآن ؟ .
إننا تمامًا كقطة شرودنجر وتجربته المثيرة للجدل في أوساط الفيزيائيين وقتها ، وكانت بداية جيدة لانطلاق علم جديد سيؤثر على الحياة بشكل فيه تراكب ، إنه فيزياء الكم ، وما أدراك ما فيزياء الكم !!
نعم نحن تمامًا في نفس حالة التراكب لقطة شرودينجر فنحن أحياء أموات في نفس الوقت ، نحن نحمل جميع الإحتمالات في وقت واحد ، لأننا غير متأكيد متى ستنطلق جزيئات الإشعاع من النظير المشع حتى تحفز عداد " جايجر " فيفلت المطرقة ، فتقع على أم رأس قارورة السيانيد المميت ، فتحطمها وينبعث السم القاتل ، فيقتلنا ، إنه الجنون بعينه ، وإننا بالفعل أحياء وأموات في نفس اللحظة ، والغريب أننا مستسلمين تمامًا لقدرنا الذي سلمناه بكل رضا وهدوء لعنصر مشع للجنون لا يعرف ولا يمكن التنبؤ بموعد خروج الإنبعاث الجنوني القاتل ، إنه بدأ بالفعل يشع علينا عظمة وغرور ، ولم نكتفي بذلك بل سلمنا مصائرنا لعداد حقير يسلط علينا سندانه إذا ما أحس بخطر ، كيف نثق بقارورة مسلط على رأسها سندان ؟ لابد أن نكسر القيد ونحدث خرمًا في الصندوق الحديدي حتى ننجوا بأرواحنا ، ونخرج من إحتمالية الموت المحقق المسلط على رقابنا جميعًا .
إننا يا سادة بلا هوية أو إنتماء حقيقي ، نعم أقولها بكل وضوح نحن بلا هوية ، تماما كالفلسفة التي أراد شرودنجر إثبات وجهة نظرة من خلالها عن طريق مفارقة القطة ، جوهر نظرية الكم -والتي تُستَخدم لوصف طريقة تصرف الجسيمات دون الذرية مثل الإلكترونات والبروتونات- هي فكرة دالة الموجة. تصف دالة الموجة جميع الحالات المحتملة الممكنة للجسيمات، بما في ذلك الخصائص مثل الطاقة والزخم والموضع. يقول مارتيل: «دالة الموجة هي مزيج من جميع دوال الموجة المحتملة» .
فنحن لا نعلم إن كنا فاعلين أم مفعول بنا ؟ ، إن كنا جسيمات أم موجات ؟ ، نحن عبيد أم أحرار ؟ ، نحن نستحق الحياة أم الموت ؟ نحن جديرون بالاحترام أم بالمسخرة ؟ نحن عالم ثالث أم رابع أم بدون ترتيب ؟ ولماذا لا نكون عالم أول وما يمنعنا ؟
كلها أسئلة تدور في رأسي وأنا أتأمل وجه قطتي وهي تنظر إلي باستغراب وترقب ،
لكن السؤال الجوهري ، كيف نتحرر من تلك الحالة الهشة ولماذا نترك أنفسنا كفئران أو قطط تجارب لقوم مجنونين بالعظمة ، وهل طموحهم للترقي والحصول على جوائز مرتبط بأرواحنا ومصائرنا ، إننا في مفارقة فارقة كمفارقة تلك القطة المسكينة ، لكن الفارق الوحيد بيننا وبين تلك القطة أنها قطة إفتراضية فلم يستطع شرودينجر التضحية بقطة حقيقية وتعريضها للإعدام المحقق أو حتى المحتمل ، وإنما كانت تجربة ذهنية محضة ، أما نحن فقد ضحوا بنا جميعًا ، فمن لنا غير الخرم الكبير ، الذي سنحدثه في القفص الحديدي ؟ 
إني أدعوكم جميعًا للخروج من تلك الأزمة وإستخدام عقولكم وكل ما أوتيتم من قوة للعمل سويًا وجديًا لإحداث ذلك الخرم ، فهو بالنسبة لنا صار حياة أو موت .

تعليقات