عقب إجتياح وباء الكورونا للعالم فى مطلع 2020 ، وبعدما توقف النشاط الإنسانى بما فى ذلك دور العبادة و نال الإغلاق من بيوت الله ، إندهشنا جميعا من تحول نداء الحق بالمساجد وتغيره من حي على الصلاة حي على الفلاح ، إلى صلوا فى بيوتكم ، صلوا فى رحالكم، وكانت الدهشة الأكبر أن هذا النداء الجديد على الأذن العربية و المسلمة قد أطل علينا وصدح بحزن وألم لأول مرة من مآذن الكويت ؟ و إنتقل بعدها إلينا ، فلم نستمع له من السعودية أو مصر أو العراق أو تركيا أو ايران ؟ لكنه بدأ من الكويت ثم انتشر لبقية العالم الإسلامى ، وكان الأمر مفاجئا مدهشا مستغربا ، بل أن جاهلا جهولا خرج علينا من دولة بحجم مصر يستنكر صيغة الآذان التى تتضمن كلمة (صلوا فى رحالكم) لانه إعتبرها لفظا بدويا صحراويا ؟
وهكذا بدت الكويت وكإن إرادة الله سبحانه وتعالى أوكلت لها الريادة فى بعض أمور العبادة الإسلامية عند تفشى الكوارث ، رغم صغر حجمها بالمقارنة بالآخرين ؟
وفى التاريخ القديم نسبيا نتذكر الدور الريادى لدولة الكويت عندما قاد الأمير الراحل صباح السالم الصباح عمليات وساطة محمومة من أجل إيقاف ومنع عمليات القتل الجماعية التى مارستها القوات الأردنية ضد اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، والتى راح ضحيتها الالاف من سكان المخيمات بالأردن فيما سمى بمذبحة سبتمبر عام 1970( أيلول الأسود) وكان الأمير الكويتى هو آخر قائد عربى زار مصر فى حياة الرئيس جمال عبد الناصر ، فى محاولة من كل منهما لايقاف نزيف الدم الفلسطينى ،
أما فى التاريخ الحديث فقد تابعنا جميعا الدور القومى والاسلامى الشريف الذى لعبته الكويت لمنع العدوان والحصار ( العربى) ضد دولة عربية هى قطر، هذا العدوان الذى كان مؤيدا من قوة عظمى وقوى اقليمية ، ولكن الكويت تصدت وحدها لإيقاف الحصار ومنع اسقاط النظام السياسى القطرى بالقوة العسكرية ، وذلك بفضل جهود الأمير الكويتى الراحل الشيخ صباح الجابر الأحمد الصباح ،،
كذلك هناك المواقف المجيدة المتفردة للسيد مرزوق الغانم رئيس البرلمان الكويتى ، الذى لم تحده أو تمنعه الحسابات المقيتة، ولا المصالح الضيقة ، عن التصدى منفردا لمسئولى العدو الصهيونى أكثر من مرة وفى أكثر من معترك دولى ،
ولو أن دولة أخرى غير الكويت كانت قد تعرضت لما تعرضت له الكويت من غزو و عدوان عام 1990 على يد دولة عربية مجاورة ( العراق) لكانت قد حولت اراضيها كلها الى قاعدة عسكرية أجنبية كاملة بعد التخلص من العدوان ، ولأنفقت ثرواتها على الصفقات العسكرية لحساب أوروبا وامريكا ؟
ولو كانت دولة أخرى غير الكويت التى تتصدر مع قطر والإمارات قائمة الدول العربية الأكثر ثراءا ، لكانت قد انفقت ثرواتها على الملزات وكرة القدم ونشر العهر بحجة التنوير ، وكذلك تمويل القتل والعدوان ضد الشعوب تحت لافتة الحفاظ على الاستقرار، كما يفعل شذاذ الآفاق من كل جنس وموقع جغرافى فى الخليج ؟
لكن الكويت ثالث أغنى دولة عربية ، لم تتحالف مع إسرائيل ، ولم تساهم فى نشر العهر والعرى والمجون فى محيطها ، بل صدرت لنا الثقافة الرفيعة والعلم والفنون الراقية وأخبار العالم الإسلامى والتقدم العلمى والتكنولوجى عبر مجلة العربى الكويتية ، وسلسلة عالم المعرفة ، وكذلك فصلية عالم الفكر ،ومجلة العلوم والتكنولوجيا ، وكانت ولا تزال تدعم تلك الكنوز المعرفية لكى تصل الى من لا يزالون يقدسون العلم والمعرفة والإطلاع بقيمة زهيدة مدعومة
،دون منٍ أو أذى ؟
ولو كان للكويت شعب مغيب ومنشغل بملزات ومشاغل الحياة ، ويحكمها نظام سياسى انتهازى يفضل المصلحة الذاتية ، لهرولت مع المهرولين الى التطبيع مع العدو الاسرائيلى، كما فعلت دول مجاورة وغير مجاورة لها مثلما نرى ونشاهد كل يوم من مهازل وخيانات ؟
الغريب مع هذا كله أن الكويت تبقى الدولة العربية الوحيدة التى تمثل واحة للحرية والديموقراطية بالمنطقة، فهى وان كانت تحكمها اسرة مالكة كبقية الدول الخليجية ، الا ان الملكية هناك أشبه بالملكية البريطانية ، فالكويت لديها برلمان حقيقى منذ استقلالها ، ونظامها السياسى نظام برلمانى تشريعى ، و سلطة تنفيذية تدار بواسطة رئيس وزراء مسئول أمام البرلمان، والانتخابات هناك حرة لا يمكن تزويرها ، ورغم عدم وجود احزاب ، الا ان هناك تكتلات وتحالفات أيديولوجية وسياسية علنية أشبه بالاحزاب، تخوض الانتخابات للحصول على شرف عضوية البرلمان الكويتى الذى يمارس سلطاته كما تمارسها أعرق البرلمانات الديموقراطية فى العالم ،
ويكفى أن نعلم أم أول استجواب لوزير فى العالم العربى بعد جلاء الاستعمار كان فى الكويت عام 1963 ، ففى مجلس الأمة الكويتى عام 1963: تم تقديم استجواب إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل عبد الله مشاري الروضان من قبل محمد أحمد الرشيد بخصوص توزيع 30 قطعة أرض في منطقة العديلية بمساحة 1000 متر، وفي 11 يونيو 1963 تمت مناقشة الاستجواب،
كما تم تقديم استجواب إلى وزير الكهرباء والماء الشيخ جابر العلي السالم الصباح من قبل راشد صالح التوحيد بخصوص إيصال التيار الكهربائي وإنارة الشوارع ومد أنابيب المياه وتحصيل الرسوم، وقد نوقش الاستجواب على مدار جلستين في 22 فبراير 1964 و3 مارس 1964 ،
بل أن المواقف المشرفة لاعضاء البرلمان تجسدت هناك منذ وقت طويل ففي يوم 7 ديسمبر 1965 قدم النواب عبد الرزاق الخالد وسامي أحمد المنيس وعلي العمر وأحمد محمد الخطيب وراشد صالح التوحيد ويعقوب الحميضي وجاسم القطامي وسليمان المطوع إستقالتهم بسبب إقرار قوانين مقيدة للحريات ؟
(بينما نتذكر جميعا نواب 25 -30 الذين حضروا شرعنة ونقل ملكية تيران وصنافير الى السعودية ولم يجرؤ أى منهم على الاستقالة بل نزلوا بكل بجاحة الانتخابات التالية وحاول بعض المرتزقة تصويرهم باعتبارهم مناضلين )
بقبت كلمة اخيرة وهى أن الكويت التى تعتبرثالث اغنى دولة عربية وترتيبها السابع عشر على مستوى العالم، لم تترك اقتصادها نهبا لرجال الاعمال المحليين او الاجانب بحجة حرية الإقتصاد وما شابه ، لكن الدولة لها دور قيادى فى المسألة الإقتصادية ، بل ان القطاع الحكومى يحوز على مايزيد عن 80 فى المائة من المشروعات الإقتصادية والإجتماعية الوطنية ، بينما تقل نسبة مساهمة القطاع الخاص عن 20 % فقط من المشروعات الاقتصادية، وغالبية مشروعات المسموح للقطاع الخاص بالعمل فيها هى مشروعات غير إستراتيجية، بمعنى انها لو توقفت أو حدث بها خلل ما ، لن تؤثر بشكل كبير على الإستقرار المعيشى أو الأمن القومى أو حياة الناس ،
كما تم إنشاء صندوق خاص لحفظ حقوق الأجيال القادمة يحتوى على مايقارب من 600 مليار دولار قابلة للزيادة السنوية بمقدار 30 % بشكل متوالى ؟
فعندما تتابع مواقف ومهازل الدول العربية بوجه عام والخليجية على وجه الخصوص، وتقهرك تلك المساخر اليومية من علاقات مع الصهاينة ، وإمتلاك لقنوات هلس فضائية ، وهيئات متخصصة فى تنظيم حفلات العهر والعرى والخزى ، وأموال تضخ لحساب القتلة والمجرمين، وتنفق على كرة القدم والتفاهة ، و من تعمد لإلغاء قداسة يوم الجمعة ، و مؤامرات تقطيع المعارضين بالمناشير ، ومعايرات بالفقر وإذلال للأجيال الحالية والأجيال القادمة ،
وتقارن ذلك كله بما تفعله الكويت ،
لا شك أنك ستتوجه اليها بالتحية شعبا ونظاما ،،،