المؤكد أن عنواني هذا أثار دهشتك وإعتبرته على سبيل الإثارة الصحفية لجذب الإنتباه، فلا يعقل أن يقوم الكاتب الكبير بحركات بهلوانية!!
لكن صدقني العنوان في محله تماماً ..
وأبدأ الحكاية من أولها ..
كان ذلك عقب تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام ١٩٤٢م .. واجه ظروف معيشية صعبة جداً بسبب زواجه المبكر في ذات العام الذي تخرج فيه .. والغريب أنه أبن "روزاليوسف" ومنصب رئيس التحرير في إنتظاره ، لكن أمه أرادت لإبنها أن "تدعكه" الحياة ويبدأ من أول السلم.
وفي البدايات رأى "سانو" أن العمل الصحفي لا يكفي وحده لفتح بيت وإقامة أسرة ، فحاول أن يعمل محامياً، لكنه فشل فشلاً ذريعاً فهذه المهنة تحتاج إلى طلاقة لغوية ، وأعصاب من حديد ، ودبلوماسية في التعامل ، وكل هذه المقومات غير متوفرة في حبيبي "سانو" وهو الاسم الذي عرف به في بيته وبين أصدقاءه المقربين ، فقد ثار أكثر من مرة على الخصم الذي يقف أمامه بل وعلى القاضي نفسه ، فقرر الإنسحاب من هذا الميدان قبل أن يرتكب "جنحة"!!
وصدق أو لا تصدق فكر حبيبي أبي أن يعمل في "البيزنس" ، فقد كان جالساً مع صديق له في أحد المقاهي يعمل في هذا المجال ورآه يربح مئات الجنيهات وهو جالس معه في صفقة واحدة خاصة بتجارة الأرز ، لكنه فشل تماماً في هذا المجال أيضاً ، وقرر بعدها أن يركز جهده فيما خلق من أجله وهي الصحافة والكتابة ، فعمل فترة في سكرتارية تحرير مجلة "آخر ساعة" ، لكنه لم يكن سعيداً في هذا العمل ، وعاد من جديد إلى "روزاليوسف" بمرتب ضئيل لا يتجاوز أثني عشر جنيها في الشهر ، وهو مبلغ لا يكفي أبدا لإسعاد عروسته وحبيبة عمره "لولا" التي كان قد تزوجها رغم ظروفه الصعبة ورغم المعارضة الشديدة لهذا الزواج في البداية من أمه "روزاليوسف" ، ومن عائلة "المهلمي" عائلة زوجته واسمها بالكامل "لواحظ عبدالمجيد المهلمي" لكن الجميع ينادونها باسم "لولا" بضم اللام.
وقرر "سانو" أن يستغل موهبته الأدبية وبراعته في الكتابة لزيادة دخله بغرض إسعاد حبيبة العمر ، فقام بكتابة سيناريو لفيلمين وذهب بهما إلى مكتب الموسيقار "محمد عبدالوهاب" في عمارة "الإيموبيليا" في وسط البلد ، وهو يعرفه منذ طفولته حيث كان يتردد بإستمرار على "روزاليوسف" ، وكانت له أفلام ناجحة جداً في ذلك الوقت وأثبت أن موهبته في التمثيل لا تقل عن نجاحه كمطرب .
وفي المصعد قابلته المنتجة السينمائية المرحومة "عزيزة أمير" وكان مكتبها في نفس العمارة ، وعندما عرفت سبب حضوره أخذته إلى مكتبها وقرأت ما كتبه بعناية.
وبدون كلام أخرجت على الفور شيكا بمبلغ مائة وستون جنيها بواقع ثمانين جنيها عن الفيلم الواحد وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت البعيد.
ويقول حبيبي أبي: خرجت من عندها وأنا أرتعش من شدة الإنفعال والفرحة ، وعندما وصلت إلى منزل الزوجية في "عابدين" فاجئت زوجتي بما لم تتوقعه أبدا بقفزة في الهواء و"شقلباظ" على السرير كأفضل بهلوان قبل أن أخبرها بما جرى.
وكلما تذكر حبيبي أبي هذه الأيام كان يقول لي : "أمك ست عظيمة" لقد تحملت الكثير من المتاعب وضيق العيش في بداية حياتنا.
وبهذه المناسبة له مقولة شهيرة وجميلة يقول فيها: "لولا لولا ما نجح سانو" .. لاحظ أن كلمة "لولا" مكررة مرتين الأولى أداة شرط ، والثانية إسم علم.
وأخيراً فهذه القصة أهديها إلى كل شاب يبدأ حياته العملية بعد تخرجه من الجامعة ..
أقول له "أوعى تيأس" .. حبيبي "سانو" كان مثلك وطرق كل الأبواب وواجه شتى المتاعب قبل أن ينجح نجاحاً عظيماً.