JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

أشرف عبد الشافي يكتب : حكايات عن نجم

كنت أقصد بورسعيد يا روح أمك!»

قالها أحمد فؤاد نجم لأحد الحاضرين فى جلسة خاصة عندما سأله بروح المثقف الفكيك: «لمّا كتبت قصيدة يا إسكندرية.. كنت تقصد إيه بإسكندرية؟!». لم يفكر ‏‏«الفاجومى» فى الجواب وقال جملته الشهيرة التى يتناقلها عشاقه ومحبوه ضمن مجموعة ضخمة من نوادر وقصص كانت تدور معظمها فى جلسات خاصة.‏

وعندما نقول أحمد فؤاد نجم وجلسات خاصة، فإننا نقصد الحشيش بلا شك، فلم يكن «الفاجومى» يخجل من هذا الأمر، ولا يعتبره جريمة تستحق التبرؤ منها، وعندما كان يفكر فى تأليف كتاب عن ميلاد ‏قصائده وأغانيه، كان مشغولًا جدًا بالبحث فى ذاكرته لأن معظمها مولود فى جلسات خاصة، وشامم ريحة الحشيش مع أول صرخة لا مؤاخذة.. فماذا سيكتب وكيف؟

لم يستمر السؤال طويلًا، فأصدر جزءًا أول بعنوان «حكايات القصائد» عن دار نشر «زينب»- وهو اسم ابنته ويبدو أن الدار توقفت بعد ذلك- حكى فيه عن أول لقاء مع الشيخ إمام فى غنوة: «أنا أتوب ‏عن حبك أنا»، وكان الحشيش حاضرًا بالطبع.‏

ففى إحدى السهرات داخل بيت الشيخ إمام فى حوش آدم، يقول نجم إنه حضر بصحبة سعد الموجى: «بعد العشا بدأنا الذى منه، وكان الصنف ليلتها بريمو والدماغ عالية، وفجأة قال سعد الموجى، كلنا ‏شوق ولهفة لاحتضان المولود الجديد المشترك بين مولانا والأستاذ نجم»، فضرب نجم يده فى جيبه، وأخرج غنوة تقول كلماتها: ‏

ما بين دا قال.. ودا بيقول.. محيرنى فى هواك على طول ‏

تغيب عنى يا دوب ساعتين.. تجينى بكلمة قالها عذول ‏

ويتمد العتاب ليلتين.. ف قلنا وقال ‏

وفهم أنها لم تعجب الشيخ، لأنه طلب منه كتابتها فى ورقة من جديد ليحتفظ بها، فمزق نجم الغنوة وجلس يكتب «البكرية» أو أول عمل مع الشيخ إمام، وهى الغنوة التى صمدت حتى اليوم بعد أن غناها ‏المطرب الشاب محمد محسن: ‏

أنا أتوب عن حبك أنا.. أنا ليا فى بعدك هنا!‏

وأظن أيضًا- وبعض الظن إثم- أن مصر كانت هى الميلاد الحقيقى لـ«دولة الحشاشين» التى أسسّ أركانها الحشاش الأعظم فى التاريخ «حسن الصباح»، إحدى الشخصيات الاستثنائية فى الكوكب.‏

فذاك الرجل القصير المكير، نجح فى تجنيد جيش كامل بصباع حشيش، وصنع دولة من القتلة والمجرمين والسفاحين بصدور النساء وإغراءات الجنس، أخذهم إلى قلعة حصينة أقصى شمال إيران، وجاء ‏بالنساء والفاكهة، وقال لهم هذه هى الجنة ولن ينالها إلا الشهيد، والشهيد لن يصبح كذلك إلا إذا غرس الخنجر فى كبد أعداء الدين.‏

فأكلوا الفاكهة وتذوقوا النساء، وسجدوا له وهم يرتدون السراويل متجهين إلى الجهاد وعائدين إلى النساء والحشيش شهداء أو أحياء، وانطلقت عمليات الاغتيال السياسى فى كل ربوع العالم الإسلامى، من ‏بغداد حيث السلطان العثمانى إلى القاهرة حيث «المستعلى».. وأهل السنة أيضًا.‏

عاش «الصباح» هنا فى القاهرة، وكان مقربًا من الخليفة الفاطمى «المستنصر»، وعندما توفى الخليفة وجاء إلى الحكم أخوه «المستعلى» قال «الصباح» إن مؤامرة تم تدبيرها لإبعاد «نزار» ابن ‏‏«المستنصر» لتولية «المستعلى»، واعتبرها خروجًا على أصول العقيدة الشيعية يستوجب منه الرحيل، وأعلن الحرب ضد الجميع فصنع «دولة الحشاشين».‏

ودخل هذا المصطلح قاموس اللغات الأوروبية، وأصبح مرادفًا لكلمة «‏Assassin‏» أى «القتلة المأجورون»، وعاشت قلعة «ألمُوت» أو «عش النسر» بالفارسية فى خيال الأدباء.‏

وسواء رأيت «الصباح» مجرمًا أو سفاحًا، فإن عبقريته فى تجنيد هؤلاء الحثالة من المنتمين لجنس البشر تستحق أن تكون عملًا روائيًا شهيرًا، وهذا ما فعله فلاديمير بارتول مؤلف رواية «قلعة ألمُوت»، ‏التى صدرت عام ١٩٣٨ وترجمت إلى عدة لغات.‏

NameE-MailNachricht