JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Accueil

" الطريق المسدود " 15 د. عبدالخالق فاروق يكتب : المخاطر الاستراتيجية لإنشاء الصندوق السيادى على مصر

منذ أن طويت الحقبة التجارية فى الاقتصاد الأوربى ، أو ما عرف بالفترة الماركينتيلية Mercantilism  التى أمتدت من مطلع القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر ، ودخلت أوروبا إلى العصر الرأسمالى الحديث القائم على الميكنة والتجميع الصناعى الكبير manufacturing  ، لم تعد قضية تراكم الفوائض المالية المتمثلة فى الذهب والفضة ، تمثل ركيزة الثروة والنفوذ فى الدول والمجتمعات الأوروبية ، بقدر ما أصبحت دورة الانتاج والتشغيل والاستثمار هى مقياس القوة ومناط النفوذ فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية . 

لقد تميزت المرحلة الميركنتيلية ( التجارية ) بسمات مميزة هى :

الأولى : أن التوسع فى الانتاج قد أستدعى بالضرورة وصاحبه اقتحام الدول لأسواق الشعوب الأقل انتاجا فى آسيا وأفريقيا والأمريكيتين ، ولهذا لم يكن غريبا أن تتكون الإمبراطوريات الإستعمارية الأوربية من الدول الساحلية الأساسية فى القارة العجوز ( البرتغال – أسبانيا – فرنسا – انجلترا – إيطاليا ) . 

الثانية : أن هذا الفائض فى الانتاج والتوسع فى الكشوفات الجغرافية والغزو الاستعمارى قد أديا إلى تحقيق فوائض مالية ضخمة تمثلت فى المعادن الثمينة وخصوصا الذهب والفضة ، اللتين أمتلأت بهما خزائن الملوك والنبلاء والتجار الأوربيين ، فشكلت بذلك ركيزة أساسية من ركائز القوة والنفوذ  ومقياسا للثراء فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية فى ذلك الوقت (1). 

ومع إنتقال بعض تلك الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية إلى النموذج الرأسمالى الصناعى الحديث بدءا من القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين ، حدث التحول الهائل فى المفاهيم الاقتصادية وآليات العمل الاقتصادى ، فلم يعد الفائض والثروات من الذهب والفضة والمعادن الثمينة مقياسا للقوة وتعبيرا عن النمو ، وأنما أصبح النمو والقوة تتمثل فى قدرة هذه الدولة أو تلك ، وهذا المجتمع أو ذاك على توظيف فوائضه وإعادة إستثمارها فى توسيع الطاقة الانتاجية الصناعية ، وهكذا أنتقل مفهوم الثراء من تكديس المال فى الخزائن إلى إعادة الاستثمار وتوسيع دورة الانتاج والتشغيل ، فيما عرف بالانتقال من التراكم المالى

Financial Accumulation  إلى التراكم الرأسمالى  الحديث Capital Accumulation  . 

وبقدر هذا التوسع الذاتى للنماذج الرأسمالية الصناعية الحديثة ، على المستوى الأفقى ( زيادة خطوط الانتاج والمصانع والطاقة الانتاجية ) ، وعلى المستوى الرأسى ( التطوير التكنولوجى المكثف والمتسارع ) ، بقدر السيطرة الاقتصادية والسياسية عبر تجاوز الحدود الجيو- سياسية ، من خلال الأشكال الجديدة للإستنزاف ونهب ثروات الشعوب الأقل تطورا المتجسدة فى الشركات عابرة القومية ، أو ما أطلق عليها أستاذنا د. محمد دويدار المتعدية الجنسية Cross – national Enterprises(2) .

وهكذا لم تعرف النظم الرأسمالية الحديثة فكرة تخزين الفوائض المالية ، بالمعنى القديم ، إلا مع النظم الريعية النفطية منذ مطلع عقد الثلاثينات من القرن العشرين ، حينما جرى إكتشاف النفط بكميات كبيرة ، فى ظل بنية إجتماعية وسياسية  قائمة على القبيلة والعائلة ، وفى ظل علاقات داخلية شديدة التخلف (3) .

ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه الحالة السيالة ، قد أستدعت من الدول الاستعمارية وشركاتها النفطية الكبرى ، العمل على تحويل تلك المناطق الجغرافية الشاسعة فى الصحراء العربية إلى كيانات جيو- سياسية ، فأنشأت دول وإمارات ومشيخات مثل السعودية والكويت وأبو ظبى والبحرين وسلطنة عمان و قطر وغيرها ، وتحولت بذلك الإقطاعيات العائلية ( مثل عائلة الصباح ، وآل نهيان ، وآل سعود ، وآل ثان ، وآل خليفة ، وآل سعيد .. الخ ) إلى دول وفقا للشكل الحديث للدول ، وإن ظلت على علاقاتها وبنيتها الاجتماعية والسياسية شديدة الرجعية والتخلف . 

وخلال الفترة الأولى من تجربة هذه الدول / المشيخات ، التى أمتدت من ثلاثينيات القرن العشرين حتى عشية حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، لم تكن الفوائض المالية من الضخامة بحيث تزيد عن أحتياجات التحديث المتواضع للمجتمع ( مدارس – مستشفيات – إدارة حكومية ) ، وحسابات مصرفية وخزائن مملؤوة للحكام وعائلاتهم ، ومقتضيات شراء الولاءات للقبائل المتناثرة داخل حدودهم الجديدة ، فلم يستدع الأمر إنشاء صناديق سيادية ، ووسائط مالية دولية كبرى ، ولم يكن هناك مسافة بعيدة بين الجيب الشخصى للملك أو الأمير أو الشيخ ، وبين ميزانية الدولة فكليهما تحت طوع وأمر الملك / الشيخ . 

حرب أكتوبر عام 1973 والفوائض المالية الهائلة

بإندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، أنتقل مركز الثقل المالى والسياسى لصالح الدول المنتجة للنفط عموما ، والدول العربية خصوصا ، لقد زاد سعر برميل النفط من أقل من ثلاثة دولارات عشية الحرب إلى 5.18 دولار فى أواخر نوفمبر عام 1973، ثم أخذ فى التزايد يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر حتى سبتمبر عام 1980 ، وهكذا زادت إيرادات الدول العربية الثمانية أعضاء منظمة أوبك من حوالى 5.2 مليار دولار عام 1972، إلى 124.0 مليار دولار عام 1979 (4) ، فدولة مثل السعودية زادت إيراداتها وبعد زيادة الأسعار الأولى أثناء حرب أكتوبر من 5.1 مليار دولار فى نهاية عام 1973 ، إلى 54.2 مليار دولار عام 1979 ، وكذلك الكويت من 1.9 مليار دولار إلى 13.3 مليار دولار ، وبالمثل الامارات من 900 مليون دولار إلى 9.7 مليار دولار خلال نفس الفترة وهكذا لبقية الدولة / المشيخات الخليجية والدول العربية الأخرى المنتجة للنفط مثل الجزائر وليبيا والعراق . 

وبهذا الكنز الهائل أو كما عبر وزير الخزانة الأمريكية فى ذلك الحين " وليم سيمون " فأنهم لم يكونوا سوى غفراء على هذا الكنز النفطى لا أكثر ولا أقل " these people do not Owen the oil they only sit on it 

وهنا أسقط فى يد تلك الدول / المشيخات ، فقد كانت الثروة الجديدة أكبر كثيرا حتى من أحتياجاتها من كافة الإستخدامات المشروعة ( كالتنمية والتحديث ) ، وغير المشروعة ( السرقات العائلية ، والتبديد والإنفاق السفيه ، وتوزيعات الغنائم ، وشراء الولاءات القبائلية والعشائرية بل وحتى الدولية )، فلجأت تحت مشورة الخبراء الغربيين -  وجلهم تقريبا أمريكيين وبريطانيين -  إلى أنشاء صناديق ، أطلق عليها فيما بعد زورا وبهتانا " صناديق سيادية " 

Sovereignty Funds  ، توضع فيها تلك الفوائض المالية ، ويتولى الخبراء القائمون عليها – وجلهم أمريكيون وبريطانيون كما أشرنا - إعادة إستثمارها وتوظيفها  فى الخارج ، وتكوين محافظ مالية ضخمة مكونة من أسهم شركات ، وسندات وأذون خزانة على تلك الحكومات الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، وإيداعات مصرفية فى تلك الدول الغربية أيضا ، وأصبحوا بالتالى فريسة ولعبة فى عمليات إبتزاز غربى من جهة ، ومرهونة بالإنهيارات المتعددة فى أسواق المال الغربية ولعبة البورصات ، والأزمات العاصفة التى مرت بها تلك الاقتصادات الغربية بصورة مستمرة . 

ومع كل أزمة من الأزمات التى مر بها الاقتصاد الرأسمالى العالمى وتقلص الفترات البينية لتلك الأزمات أو الدورات فى المتوسط من عشر سنوات ، إلى أقل من خمس سنوات ، مثل الأزمات العاصفة التى تكررت على مدار السنوات ( 1971،  1973 ، 1982 ، 1987 ، 1989 ، 1994 ، 1997 ، 1999 ، 2000 ، 2001 ، 2002 ، 2003 ، 2008 ) ، وسواء كانت هذه الأزمات العاصفة شاملة للاقتصاد الرأسمالى العالمى ككل ، أو أزمات لبعض مكوناته الإقليمية الهامة ( مثل جنوب شرق آسيا عام 1997 ) ، أو المكسيك عام 1994 ، أو الأزمة الروسية الكبرى عام 1999،  أو الأرجنتين عام 2000 ، أو البرازيل عام 2003 ، أو فى غيرها (5). فقد كانت الصناديق " السيادية " العربية تخسر مئات المليارات ، وكان أصحاب الأموال العرب يخسرون بدورهم .

لقد خسر العالم من جراء الأزمة العاصفة  عام 2008 فى أسابيعها الثمانية الأولى ، ما يتجاوز خمسة عشرة تريليون دولار، منها حوالى تريليون دولار لأصحاب فوائض النفط العربى فى الخليج ، وما زال الحبل على الجرار 

صحيح أن بعض تلك الأموال " العربية " قد ساهمت فى إقراض وتمويل مشروعات تنموية فى بعض الدول العربية وغير العربية من خلال إنشاء صناديق للتنمية وأبرزها الصندوق الكويتى ، وصندوق أبو ظبى ، والصندوق العراقى – قبل تدمير العراق بحروب صدام حسين المتتالية –بيد أن الغالبية الساحقة من تلك الأموال " العربية " قد ذهبت إلى الأسياد الغربيين فيما عرف فى الأدبيات الاقتصادية الغربية إعادة التدوير Recycling . 

أذن من الناحية الشكلية كانت هذه الدول العربية / المشيخات ، لديها فوائضSurplus  مالية يجرى توظيفها فى قنوات إستثمارية فى الخارج ، بصرف النظر عن الملابسات والملاحظات والمخاطر المحيطة بها ، بما فى ذلك إحتمالات التجميد وفقا للقوانين الأمريكية مثل قانون صلاحيات الرئيس أثناء الحرب أو الطوارىء الصادر عام 1977 ، والذى جرى إستخدامه فعلا ضد ليبيا والعراق وغيرها من الدول (6) .

فماذا عما يسمى الصندوق السيادى لمصر ؟ 

وفقا لما عرضناه فى السطور السابقة ، هل يمكن وصف ما يسمى الصندوق المزمع إنشائه فى مصر بأنه صندوق سيادى ؟ 

الحقيقة .. كلا وذلك لعدة أسباب هى : 

السبب الأول:أن مصر كدولة لا تمتلك فوائض مالية كما هو الحال فى دول الخليج العربى والدول النفطية عموما.

السبب الثانى: أن الأصول الاقتصادية التى تملكها الدولة المصرية مثل الأراضى والشركات العامة والمرافق العامة هى أصول للانتاج  والخدمات وليست فوائض مالية بالمعنى الاقتصادى للكلمة . 

السبب الثالث: أن قراءة دقيقة للقانون الصادر بإنشاء ما يسمى الصندوق السيادى لمصر رقم (177) لسنة 2018 والنظام الأساسى لهذا الصندوق الصادر به قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 ، يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أننا بصدد أكبر عملية خداع إستراتيجى للشعب المصرى ،  حيث نحن بصدد إستكمال لبرنامج بيع الأصول العامة ، والإقتراض بضمانها لشركات ومؤسسات وأفراد من الأجانب ومن العرب  على وجه التحديد ، كما سوف نعرض بعد قليل . 

السبب الرابع :هو أن السياق الذى تدار به الشئون الاقتصادية والمالية المصرية منذ عام 1976، تكشف درجة إستمراء القائمين على الحكم والإدارة لفكرة الصناديق والحسابات الخاصة ، التى تخرج كميات مالية واقتصادية من الإدارة المالية المنظمة خصوصا الموازنة العامة للدولة ، نظرا لضعف الرقابة على مثل تلك الصناديق والحسابات الخاصة ، هكذا فعل الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى بداية حكمه ( حساب تبرعات سداد ديون مصر ) ، وكذا رئيس الجمهورية الحالى الجنرال عبد الفتاح السيسى ( صندوق تحيا مصر ) . 

ولم يكن طرح فكرة الصندوق الراهن جديدة ، خاصة بعد أن بدا ان برنامج الخصخصة وبيع الأصول والممتلكات العامة الذى بدأ منذ عام 1992 ، يكاد قد توقف عمليا بعد الأزمة الاقتصادية العاصفة التى حدثت فى الاقتصاد العالمى عام 2008 ، وهو ما دفع نظام الرئيس مبارك ولجنة سياسات الحزب الوطنى الحاكم - وقتئذ - إلى طرح فكرة قانون " الصكوك الشعبية فى ديسمبر عام 2008 (7) . 

ومع التصدى الواسع النطاق للفكرة ، جرى تداول فكرة أخرى على إستحياء وهى فكرة  إنشاء صندوق كوعاء يجمع بداخله كل الشركات والأصول الحكومية  بحجة إدارة أفضل لها ، والإلتفاف على المعارضة الشعبية الواسعة لإستمرار برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة التى أودت فى النهاية إلى إهدار ما يقارب 150 إلى 200 مليار جنيه بسبب بيع 194 شركة من الشركات العامة خلال تلك المرحلة بأبخس الأثمان . 

وتذكرنا فكرة الصندوق السيادى فى مصر ، بما جرى فى صناديق مشابهة كانت مصحوبة بالفساد مثل " لجنة إدارة أملاك الدولة " فى روسيا فى فترة إنحطاطها فى عهد الرئيس المخمور بوريس يلتسن وجماعته عام 1992 ، وكذلك صندوق ماليزيا السيادى IMOB الذى شهد أكبر عملية فساد ونهب فى تاريخ ماليزيا فى عهد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق عام 2014 ، وإختفاء 4.3 مليار دولار من حساباته . 

الأن .. توافر ظرف جديد لتطبيق فكرة كان قد رفضها القطاع الأوسع من الشعب المصرى ، والمتمثل فى وجود رئيس مندفع ، يحمل برنامج وأجندة غير معروفة الأبعاد ، بدأها  عام 2016 ، بالتنازل عن جزء من الأراضى المصرية ( جزيرتى تيران وصنافير ) مقابل وعود بمساعدات اقتصادية من المملكة السعودية قدرها 25 مليار دولار، وذهب فيها إلى المدى الذى لم يسبقه فيه حاكم مصرى سابق ، وهو الإطاحة بأحكام قضائية من أعلى المحاكم المصرية ، وضرب المؤسسات القضائية بعضها ببعض ( محاكم الأمور المستعجلة غير المختصة ثم المحكمة الدستورية العليا ) ، وكذلك خلق صراع بين القضاء ومجلس نواب مصطنع أمنيا ، مما هدد أحد أهم أركان الدولة الحديثة ، وذلك من أجل تنفيذ ما وعد به حكام المملكة السعودية . 

فما هى الأحكام والنصوص القانونية التى أتى بها القانون رقم (177) لسنة 2018 ؟ (8)

تضمن القانون عشرين مادة ، بعضها إجرائى  وتنظيمى وبعضها الأخر موضوعى يضع أسس وقواعد خطيرة لإدارة الأصول المصرية المملوكة للدولة المتبقية من أكبر عملية بيع وإهدار للثروة الانتاجية المصرية ، و يبلغ عدد هذه المواد الخطيرة ثلاثة عشرة مادة هى المواد ( 3-5-6-7-8-9-12-13-14-15-16-18-19) . 

• فقد نصت المادة الأولى من القانون على أن يكون للصندوق موازنة مستقلة ، ويعد الصندوق قوائم مالية سنوية وربع سنوية ، على أن يتم ترحيل الفائض من عام إلى أخر، بما يعنى أنه خارج الموازنة العامة للدولة تماما .

• وفقا للمادة (3) : وبعد الديباجة المعتادة فى مثل تلك القوانين  التى صدرت منذ عام 1974 وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى ، حيث الهدف من إنشاء هذا الصندوق هو ( المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله ...) لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة ، وله فى سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة . أى أن الأهداف المحددة من إنشاء هذا الصندوق هى : 

• المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة . 

* إدارة الأموال والأصول الثابتة والمنقولة التى سيتم نقلها إليه . 

• إستغلالها الإستغلال الأمثل وفقا للمعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها . 

• من أجل الأجيال القادمة . 

• وبالتعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات الماليةالمختلفة . 

• أما المادة (5) : فقد حددت رأسمال الصندوق المرخص بمائتى مليار جنيه ، بينما رأسماله المصدر خمسة مليارات جنيه ، أما رأس المال المسدد فهو مليار جنيه فقط تسددها الخزانة العامة للدولة عند التأسيس ، ويسدد الباقى وفقا لخطط فرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال ثلاث سنوات . وهنا يثور التساؤل ما هو المقابل الذى ستحصل عليه الخزانة العامة للدولة مقابل تسدديها المليار جنيه الأولى من رأسمال الصندوق المصدر ؟ لا يقدم لنا القانون ولا النظام الأساسى للصندوق الذى صدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء ( رقم 555 لسنة 2019 ) أية إجابة حول هذا الموضوع ، خصوصا أن الصندوق كما سوف نرى قد تحرر تماما من القيود والقواعد الحكومية ، وأصبح شخصية مستقلة تماما عن الموازنة العامة والخزانة العامة للدولة . 

وبرغم ما ورد فى الفقرة الثانية لهذه المادة من حكم جواز زيادة رأسمال الصندوق نقدا أو عينا وفقا للضوابط الواردة فى النظام الأساسى ، نكتشف بمراجعة النظام الأساسى الذى صدر بقرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 ، عدم وجود لتلك الضوابط المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من هذا القانون .

بل أن الفقرة الثالثة من هذه المادة قد نصت على ( أن أموال هذا الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة ) ، مما يفتح الباب للتصرف فيها بالبيع والشراء وكافة التصرفات بعيدا عن السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) وبعيدا عن بقية أجهزة الدولة ورقابتها ، أكتفاء بجمعية عمومية مكونة من 12 شخصا كما سوف نرى.

• وجاءت المادة (9) لتحدد موارد الصندوق على النحو التالى : 

• رأسمال الصندوق . 
• الأصول التى تنتقل ملكيتها للصندوق . 
* العائد من استثمار أمواله وإستغلال أصوله . 
• القروض والتسهيلات التى يحصل عليها ، وحصيلة إصدار السندات والأدوات المالية الأخرى . 
•الموارد الأخرى التى يقرها مجلس الإدارة . 

وهنا مناط وجوهر العملية كلها ، فنحن إزاء صندوق سوف توضع فيه كل الأصول المتبقية للدولة المصرية ( من أراضى – شركات – مشروعات وغيرها ) بهدف جعلها محل الرهن والضمان من أجل الحصول على مزيد من القروض الأجنبية والمحلية . 

• وفى المادة (6) : فقد منحت رئيس الجمهورية حقا مطلقا فى ( نقل ملكية أى من الأصول غير المستغلةالمملوكة ملكية خاصة للدولة ، أو لأى من الجهات التابعة إلى الصندوق بعد عرض رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص ، أو أى من الصناديق التى يؤسسها والمملوكة له بالكامل ، أما بالنسبة للأصول المستغلة فيكون العرض من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية وبالتنسيق مع الوزير المعنى ) . 

أى أن المادة قد ميزت  من حيث الشكل بين الأصول غير المستغلة ( مثل الأراضى المملوكة للشركات أو الجهات الحكومية المختلفة ، أو المبانى غير المستغلة ، أو أى أصل أو معدات غير مستغلة .. الخ ) ، والأصول المستغلة ، والفارق بين النوعين شكلية ، حيث الكل سوف يجرى نقل ملكيته إلى الصندوق ( الأم ) ، أو الصناديق الفرعية التى سوف ينشأها الصندوق ، أو الشركات المنشأة حديثا ، والفارق بين الحالتين هى أن الأولى ( غير المستغلة ) لا تحتاج سوى إلى العرض من رئيس الوزراء ووزير التخطيط ( الوزير المختص ) على رئيس الجمهورية ليصدر القرار بنقلها ، بينما الأصول من النوع الثانى ( المستغلة ) ، يضاف إلى رئيس الوزراء ووزير التخطيط  ، الاتفاق – وليس الموافقة - لكل من وزير المالية والتنسيق مع الوزير المعنى ( أى الذى يتبعه هذا الأصل سواء كان شركة أو أراضى أو أوراق مالية أو غيرها ) . 

وهكذا سوف يجرى تسريب الأصول  المتبقية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى إلى أطار قانونى وتنظيمى جديد ، فى شراكة مع المؤسسات  والبنوك والشركات الأجنبية ، وتكرار تجربة القانون رقم (203) لسنة 1991 ، المسمى قانون قطاع الأعمال العام الذى جرى فى ظله أكبر وأخطر عملية لنهب وإهدار الأصول الانتاجية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى ، والتى أضاعت على الدولة المصرية ما يربوا على 150 إلى 200 مليار جنيه .

ومن ناحية أخرى ، فأن تعبير الأصول غير المستغلة هو تعبير مطاط ، يحمل فى داخله الكثير من إمكانيات التلاعب بقيمة الأصل أثناء عملية نقل ملكيته إلى الصندوق ( الأم ) أو الصناديق الفرعية أو الشركات التى سوف تنشأ بالتعاون والمشاركة مع المؤسسات الأجنبية والعربية . 

كما نصت  الفقرة الثانية من المادة (6) ، على أن يتم قيد هذه الأصول المنقولة فى دفتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقا لقواعد وإجراءات التقييم التى يحددها النظام الأساسى ، وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها فى المادة الثامنة . 

ولكن بالرجوع إلى النظام الأساسى الذى صدر به قرار رئيس الوزراء رقم ( 555) لسنة 2019 ( الجريدة الرسمية ، العدد 9 تابع بتاريخ 28/2/2019 ) ، والذى أشتمل على 48 مادة ، لم نجد على الإطلاق تلك القواعد وإجراءات التقييم للقيمة السوقية لتلك الأصول ، مما يفتح الباب للكثير من علامات الاستفهام حول من سيقوم بالتقييم ، وعلى أى أسس اقتصادية وعلمية ، خصوصا وأن تجربة الخصخصة الإجرامية التى جرت فى مصر طوال ستة عشرة عاما ( 1992- 2008 ) ، والتى أدانتها المحاكم المصرية والقضاء المصرى ، مازالت ماثلة فى الأذهان .

• وتكشف المادة (8) من القانون عن جوهر ومناط الغرض من هذا الصندوق فقد نصت على أن ( التصرف فى الأصول المملوكة للصندوق أو الصناديق الفرعية المملوكة للصندوق ( الأم ) بالكامل سوف تتم بأحد الصور التالية : 

• البيع . 
• أو التأجير المنتهى بالتملك . 
• أو الترخيص بالانتفاع . 
• أو المشاركة كحصة عينية . 

وذلك كله وفقا للقيمة السوقية ، وبما لا يقل عن التقييم الذى يتم على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب ثلاثة تقارير من مقيميين ماليين معتمدين من الهيئة العامة للرقابة المالية ( التى يعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية ) والبنك المركزى المصرى ( الذى يعين محافظها ونوابه من قبل رئيس الجمهورية أيضا ) . 

والحقيقة أن هذه التقارير ومن هذه الجهات تحديدا ، لا يمكن الارتكان إليها فى تحديد متوسط القيمة السوقية للأصل محل التصرف بالبيع أو التأجير أو غيرها من التصرفات التى من شأنها إهدار تلك الأصول بالبيع أو بجعلها ضمانة للقروض الهائلة التى يستهدف النظام ورئيس الجمهورية الحصول عليها ، خاصة فى ظل سيطرة جماعات مصالح فاسدة من جميع الأنواع والاتجاهات والتحالفات الدولية . 

7-وهذا ما تكشفه بوضوح وجلاء نص المادة (7) من القانون التى نصت على أن هذا الصندوق سوف يقوم بالأنشطة التالية : 

-المساهمة بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات أو زيادة رؤوس أموالها ( أقتباسا للمادة الثالثة من القانون سىء الصيت  المسمى قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 لصاحبه وطباخ السم كله د. عاطف عبيد ) . 

-الاستثمار فى الأوراق المالية المقيدة أو غير المقيدة بأسواق الأوراق المالية وأدوات الدين وغيرها داخل مصر وخارجها .

-الإقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين 

-شراء وبيع وتأجير وإستئجار وإستغلال الأصول الثابتة ( كالأراضى ) والمنقولة والانتفاع بها .

-إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التى يملكها أو يساهم فيها مع الغير . 

وهنا بيت القصيد من هذه العملية كلها ، أن يكون هذا الصندوق منصة للإقتراض ، وبضمان هذه الأصول الضخمة التى سوف يجرى بيعها تدريجيا  والتى قدروها بحوالى مائتى مليار جنيه ، أما تسديدا للديون التى أغرقناها فيها هذا الرئيس وجماعته ، أو تحقيقا لإيرادات لتغطية العجز فى الموازنة ببيع هذه الأصول للسماسرة العرب أو الأجانب .

8-أما المادة (12) فقد أقرت مبدأ فى غاية الخطورة يأتى فى سياق كل حرف من حروف هذا القانون الخطير حيث نصت على ( أن يدير الصندوق أمواله وأصوله بذاته ، كما له أن يعهد بإدارتها كلها أو بعضها إلى شركات ومؤسسات متخصصة فى إدارة الأصول ) . 

وهنا مكمن أضافى للخطر ، فمثل تلك المؤسسات والشركات المتخصصة فى إدارة الأصول لا توجد سوى لدى الشركات والمؤسسات والبنوك الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، برغم أن تلك الصناديق ومنها صناديق التحوط – التى كان يدير أحداها د . محمد العريان – لم تنجح فى إنقاذ الاقتصاد الأمريكى خصوصا والغربى عموما من الكارثة التى حلت به فى الأزمة العاصفة عام 2008 ، والتى ما زالت أثارها وتداعياتها قائمة حتى يومنا . 

9-وعلى نفس المنوال الخطير  والمدمر جاءت المادة (13)  ، حيث نصت على أن ( للصندوق ( الأم ) تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية النظيرة ، والمصارف والمؤسسات المالية والشركات المصرية والأجنبية ، أو أى منها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية) . وبرغم إحالة المادة إلى النظام الأساسى لوضع الضوابط ، فأننا وبالرجوع إلى قرار رئيس الوزراء بشأن النظام الأساسى رقم (555) لسنة 2019 ، لم نعثر على اية إشارة لتلك الضوابط والمعايير والقواعد ، بل على العكس تماما ، جاء فيها التأكيد على  أن كل هذه العمليات الكبرى  من بيع وتأجير وإنتفاع وإقتراض سوف تتم بعيدا عن القواعد والنظم الحكومية ، مما يزيد من ظلال الشك والقلق على مصير تلك الأصول وطريقة التصرف فيها بعيدا عن أية رقابة حقيقية كما جرى فى برنامج الخصخصة ( 1992- 2008 ) السىء الصيت . 

10-ولهذا جاءت المادة (14) التى نصت على أن ( الصندوق والصناديق الفرعية التى يؤسسها أو يشارك فى تأسيسها من أشخاص القانون الخاص أيا كانت نسبةمساهمة الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام فيها ، ولا يتقيد أى منها بالقواعد والنظم الحكومية ) . 

والحقيقة فأن هذا الإصرار على أبعاد أى نوع من الرقابة بما فيها رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات على هذا الصندوق والصناديق الفرعية التابعة ، برغم إمتلاكه لأصول الدولة المصرية وأراضيها غالبا ، يضع ألف علامة إستفهام حول نوايا القائمين على هذا الأمر والدوافع الحقيقية لإنشاء هذا الصندوق ، تماما كما هو حالة صندوق ( تحيا مصر ) ، الذى لا يعرف عنه المواطن المصرى والرأى العام والمتخصصين فى الاقتصاد المصرى ، حجم إيراداته وحجم نفقاته ومدى الجدوى من تلك النفقات وغيرها . 

11-وقد زادت المادة (19) فنصت على ( إعفاء كافة المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم وما فى حكمها ) ، وإن كانت قد أبقت على الرسوم والضرائب على معاملات الصناديق الفرعية التى يساهم فيها الصندوق ( الأم ) ، كما أبقت على الضرائب والرسوم على توزيعات الأرباح الناتجة عن معاملات الصندوق ( الأم )  أو الصناديق والشركات الفرعية .

وقد عرفت المادة (30) من النظام الأساسى الصادر بها قرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 المعاملات البينية بأنها ( جميع التعاملات والتصرفات القانونية التى تتم بين الصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل ، سواء أتخذت هذه الكيانات شكل صناديق فرعية أو شركات متمتعة بالجنسية المصرية أو جنسية أية دولة أجنبية أخرى ) . 

كما ذكرت الفقرة الثانية من المادة (30) من النظام الأساسى ( أن هذا الإعفاء من الرسوم والضرائب سوف يتم طبقا للضوابط التى يصدر بها قرار من وزير المالية بالتشاور مع الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) ، ويندرج تحت إطار المعاملات البينية على سبيل المثال التعاملات التالية : 

*عمليات البيع والشراء والاستغلال والانتفاع . 
• عمليات الإيجار والاستئجار . 
• عمليات الإقراض والإقتراض . 

وهنا مناط جديد للضرر ، خصوصا إذا عرفنا أن هذه التعاملات من الضخامة المالية والاقتصادية  من ناحية ، وكذا فأن إنتقال ملكية هذه الأصول والشركات غيرها إلى هذا الصندوق قد حرم الخزينة العامة من مصادر للدخل والإيرادات  السيادية متمثلة فى الرسوم والضرائب بكافة أنواعها التى كانت تدفعها قبل أنتقال ملكيتها إلى هذا الصندوق ، أى مزيد من الخلل فى الموازنة العامة للدولة . كما أن أعفاء الشركات والصناديق التى يشارك فيها الأجانب سواء كانوا عربا أو عجما يعنى نقل جزء من الثروة المصرية لصالح هؤلاء على حساب الشعب المصرى والخزينة العامة المصرية . 

ولمزيد من الكرم  وعملا بالقول المأثور ( أعطى من لا يملك مزايا لمن لا يستحق ) فقد نصت المادة فى فقرتها الثانية على أنه ( وذلك كله دون الإخلال بأى أعفاءات منصوص عليها فى أى قانون أخر) سواء كان قانون الاستثمار الجديد رقم ( ) لسنة 2018 ، أو قانون الضرائب على الدخل رقم (91) لسنة 2005 وتعديلاته ، أو قانون المجتمعات العمرانية الجديدة ( رقم 59) لسنة 1979 وتعديلاته أو غيرها . 

12-أما المادتين (15) و (18) فقد خصصتا لتشكيل مجلس إدارة هذا الصندوق ، وكذا الجمعية العمومية له ، ووفقا للمادة (15) يشكل مجلس إدارة هذا الصندوق بقرار من رئيس الجمهورية – بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء – ويتكون المجلس من عشرة أشخاص هم : 

• الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) رئيسا لمجلس الإدارة غير التنفيذى . 

• خمسة أعضاء مستقلين – ولا نعرف مستقلين عن من ؟ - من ذوى الخبرة . 

• ممثل عن كل وزارة من الوزرارت المعنية بشئون التخطيط والمالية والاستثمار .

•مدير تنفيذى للصندوق متفرغ لإدراته ويمثله فى صلاته مع الغير وأمام القضاء . 

أما المادة (18) فقد نصت على تشكيل الجمعية العمومية للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية ويتكون من (12) عضوا هم : 

• رئيس مجلس الوزراء رئيسا للجمعية العمومية . 

الوزير المختص ( وزير التخطيط ) . 

• الوزيرين المعنيين بالشئون المالية والاستثمار . 

• أحد نائبى محافظ البنك المركزى المصرى . 

• بالإضافة إلى سبعة أعضاء من ذوى الخبرة فى المجالات المالية والاقتصادية والقانونية ،وفى إدارة الصناديق النظيرة ، والشركات الاستثمارية العالمية يرشحهم رئيس مجلس الوزراء . 

فإذا تأملنا فى هذا التكوين ، سواء مجلس الإدارة ، أو الجمعية العمومية ، فسوف نكتشف ببساطة أن لدينا حوالى 10 أشخاص على الأكثر يسيطرون تماما على هذا الصندوق الضخم وفروعه وشركاته ، ولرئيس الجمهورية الحق المطلق فى تعيينهم وفى عزلهم .

الأثنين القادم موعدنا والحلقة السادسة عشر في " الطريق المسدود " 

NomE-mailMessage