مانفيستو وبرنامج مايكل مور "للمجتمع الصالح" من أجلنا جميعاً
في نظري : هذا فيلم سيبقى بكل مقاييس التفكير الجاد والتعبير الأخاذ ضمن أحسن الأفلام في كل السينما، ولن ينسى أبداً. إنه الفيلم التسجيلي الطويل للمخرج الأمريكي النابغة مايكل مور "أين الغزوة المقبلة" "where to invade next" (119 دقيقة).. فأنت لن تمل أبداً على مدى المشاهدة، بل ستظل تحتفظ بدرجة الشغف طول الوقت، وتكاد تقول عند انتهاء الفيلم: هل من مزيد!؟... إذ يجوب مور بعض بلدان العالم، ليختار أجمل ما فيها، أجمل ما في العالم، مقارناً ومشيراً باستمرار إلى أن هذه الإيجابيات والمنجزات الإنسانية غير متحققة في بلاده الولايات المتحدة، على الرغم من سمعتها ذائعة الصيت كبلاد للحلم (الحلم الأمريكي!).. إن مخرجنا يكشف زيف هذا الحلم وما آل إليه، ويكاد فيلمه يجهز عليه!.
ويستخدم مايكل مور مخرجاً وأيضاً كاتباً لسيناريو الفيلم، تيمة طريفة جذابة، كلما وجد في بلد ميزة وقيمة متحضرة إنسانية.. إنه سيغزوه ليجلب إلى بلاده هذه الميزة والقيمة، وفي كل مرة يرشق العلم الأمريكي في قلب كل مكان يحبه، مازحاً مداعباً!.
إنه يرى في بعض البلدان مثل إيطاليا، حقوقاً للعاملين غير موجودة في بلاده، سواء من حيث تحديد ساعات العمل، أو مشاركة العمال في مجالس إدارة المؤسسات، أو أسابيع العطلة الممنوحة والتي تصل إلى ثمانية أسابيع في العام، ومع ذلك فإن معدلات الإنتاج هناك لا تقل عنها في أمريكا وإنما تزيد..!. ويذهب إلى فنلندا مثلاً، ليكتشف نظام تعليم مختلف تماماً عما تعرفه بلاده، وحيث أعلى نسبة تفوق لتلاميذ يتعلمون، وأيضاً أسعد تلاميذ بحياتهم داخل المدارس، وحيث ساعات دراسة أقل، وعناية بالكيف فيها أكبر، فضلاً عن مجانية كل مراحل التعليم بما فيها المرحلة الجامعية.. وحيث نرى طالبة هناك، أتت من أمريكا بسبب تكاليف التعليم التي لم تقدر عليها وأصبحت هانئة بمناخ تعليم أفضل وميسر!..
دعنا نلاحظ أنه يتحدث هنا عن أمريكا.. بلد القوة والاقتدار الكبرى في عصرنا، مما يجعل المشاهدين من مصر وما يماثل ظروفها حالياً، يردد بين الحين والآخر وهو يشاهد: إذا كان هذا الحال مع أمريكا.. عند مقارنتها بهذا الوضع أو ذاك من كوكب الأرض، فما بالنا ببلادنا..!!.
والحق أن مايكل مور، في تقديري، لم يكن يخاطب الجمهور الأمريكي فحسب في هذا الفيلم.. بل كان يخاطب الإنسانية والعالم: أن هذا ما يجب أن يكون عليه الحال في كل أنحاء العالم الإنساني.. من حيث حقوق العاملين هنا، أو نوعية ومناخ التعليم هناك، وتوفره للجميع دون أي عائق من تكاليف، فضلاً عن اشتراك المدارس والجامعات كلها في نفس المستوى وطريقة التعليم من دون فوارق، وكذلك المجانية في شأن العلاج والصحة.. وهو يذهب أيضاً إلى فرنسا وألمانيا والنرويج والبرتغال، كما يذهب أيضاً خارج أوروبا إلى شمالنا الأفريقي العربي حيث تونس، التي تحافظ على حقوق ومساواة حقيقية للمرأة، رغم ظروف كثيرة معقدة، راصداً كذلك بمحبة ودراية مشهد الثورة فيها..
تعبر إحدى الشخصيات الكثيرة التي يلتقيها مور عبر الفيلم، ويتحدث معها بطريقته السلسة وروحه الجميلة.. تقول مشيرة إلى العدالة والحقوق المتوفرة في بلادها، نافية ما معناه أن ذلك ينطلق من نوع أيدولوجية محددة مغلقة أو تنظير اشتراكي جامد.. وإنما الأمر هنا حسب تعبيرها هو السعي من أجل حقوق (المجتمع الصالح).. نعم هذا هو مفهوم الفيلم ورسالته، بل إن فيلم "أين الغزوة المقبلة؟" في نظري، بما قدمه مور فيه، وعلى النحو الذي أبدعه عبر مشاهد الفيلم الحافل، هو مانفيستو وبرنامج مايكل مور من أجل تحقيق (المجتمع الصالح) لكل الإنسانية وفي كل بلدان العالم وليس الوطن الأمريكي فحسب... ولذلك فإن هذا الفيلم يخاطب وجدان وعقل كل إنسان، على وجه هذا الكوكب.