JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Accueil

تقرير : الفدائي البطل السيد عسران


قد لا يعرفه الجيل الحالي، ولا السابق وربما الاسبق ولكن في التذكرة عبرة وعظة ووفاء واستحضارا لنماذج طيبة وتجارب عظيمة في زمن اتسعت فيه مساحات القبح وتبددت فية معاني الوطنية والانتماء

الزمان صيف عام 1951 المكان مقهى المعلم عسران بشارعي كسرى وطولون ببورسعيد. لاحظ الطفل السيد عسران زبائن جدد للمقهى. ملامحهم لا تشبه الزبائن المعتادين من عمال الميناء القريب والباعة السريحة وعمال الميناء وأبناء الصعيد. الزبائن الجدد لهم ملامح الافندية رغم محاولاتهم إخفاء ذلك، يتحدثون بلكنة أبناء المدن ويتبادلون كلاما جديدا.. إلغاء المعاهدة، الجلاء التام، الديمقراطية، الكفاح المسلح. واكب ظهور هؤلاء الافندية انفجارات مدوية في معسكرات الاحتلال. لاحظ السيد أن المعلم عسران يولي عناية خاصة بهؤلاء الأغراب. ارتبط الطفل بالضيوف الجدد حكوا له عن ولد في الثانية عشر من العمراسمه نبيل منصور حول قميصه إلى كرات من لهب أشعل بها معسكرا للاحتلال، فرد الجنود بقتل الفدائي الطفل. كان السيد عسرا ن يعرف ابن حارته نبيل منصور. لكنه فوجئ بما فعلة وربما راوده إن يفعل مثله. لكن من يرعى أخوته الصغار وقد توفت الأم والأب عسران منشغل بالسعي على لقمة العيش في المقهى الذي لا يغلق أبوابه.

اشهر قليلة مضت وإذا بالمعلم عسران يزين واجهة المقهى بصور محمد نجيب والبكباشى الصعيدي جمال عبد الناصر ورفاقهم قادة الحركة المباركة. أجواء البهجة تسود حي العرب توافدت على المقاهي مجموعات جديدة من الافندية نمت علاقتهم بأبناء المدينة وارتفع دوى الانفجارات في معسكرات الاحتلال. كان السيد عسران يستمع إلى الافندية يحكون عن "وليامز" ضابط المخابرات البريطانية الجلاد الذي يعذب من يسقط من رفاقهم في أيدي جنود الاحتلال. التحق السيد عسران بكتائب الحرس الوطني. اجبر المحتلين على الجلاء.

26 يوليو 1956 كانت سعادة المعلم عسران لا توصف، أمر بعدم تحصيل أسعار المشاريب من الزبائن فقد أمم جمال عبد الناصر "الكوبانيه" أو شركة قناة السويس كما ينطقها الافندية.

لم تمضى اشهر حتى استيقظت بورسعيد على قصف جوى وبحري. بدأ العدوان الثلاثي. حمل أهالي بورسعيد السلاح وشرعوا في المقاومة. كانت الأهالي تتحلق حول جهاز الراديو في مقهى المعلم عسران يستمعون إلى صوت عبد الناصر، وأنباء عن إنذار روسي للعدوان بالتوقف والانسحاب. امتلأت شوارع المدينة بجثث القتلى أحرقت الطائرات منازل حي المناخ بالكامل.

طافت بشوارع المدينة سيارة تعلن عن وصول الجيش الروسي، الذي جاء للدفاع عن بورسعيد والتصدي للعدوان الثلاثي. تجمع المئات من أبناء المدينة على ضفتي شارع محمد على للترحيب بالفوات الروسية الصديقة؟ فجأة تنطلق مدافع الدبابات التي تحمل العلم الروسي لتحصد أرواح المئات، ويكتشف المتجمهرون إن قوات الاحتلال خدعتهم برفع العلم الروسي. كأن قتل العزل في حاجة إلى خدعة بريطانية؟

كان من بين الشهداء شقيق السيد عسران، الذي أخفى الخبر عن والده، وأجاب عن أسئلة الأب المتكررة عن الابن الغائب بأنه غادر المدينة مع بعض الأقارب.

علم السيد عسران إن محمد حمد الله ورفاقه قاموا باختطاف الضابط البريطاني مير هاوس ابن عمة الملكة. وجن جنون الاحتلال وظهر الميجور وليامز للبحث عن مير هاوس ومختطفيه. وليامز ذات الضابط الجلاد الذي كان يعذب رجال المقاومة، جاء مع قوات العدوان مسئولا عن المخابرات.

هذا هو الهدف ليس اقل منك يا وليامز. هكذا قال لنفسه السيد عسران.

واعد صندوق من قنابل الميلز أخفاه في منزل بنت الجيران. صيدا في حجم وليامز يحتاج إلى التخطيط والحذر وخدعة صغيرة. ساعات أمضاها السيد وهو يراقب هدفه وحانت الفرصة كان وليامز خارجا من إدارة البحث الجنائي بشارعي النهضة ورمسيس وهو في قمة الهياج، متجها صوب سيارته العسكرية. فالوقت يمضى وهو عاجز عن أيجاد ميرهاوس أو أى معلومة عن خاطفيه. وعلى الناصية الأخرى للشارع كان هناك السيد عسران يلوح لوليامز بورقة في يد ويده الأخرى تقبض على رغيف منزلي منتفخ بداخلة قنبلة ميلز وقد نزع فتيل الأمان منها. أشار وليامز لعسران بالاقتراب ظنا منة إن الورقة بها معلومات تفيده. ما إن اقترب السيد حتى ألقى بالقنبلة في دواسة السيارة، وفر مسرعا على صوت الانفجار الهائل، دون إن يلاحظ إن المخبر السري محمد القطشة قد شاهده. استدار السيد وعاد إلى موقع سيارة ويليامز مندسا وسط المتجمهرين. سارع المخبر محمد القطشة إلى مقهى المعلم عسران واخبر الأب بما فعله السيد. عاد السيد عسران إلى مقهى أبيه بعد إن اطمأن إلى نجاح عمليته وفوجئ بعلم الأب بما جرى، فارتمى على صدره ووجدها فرصة لأخباره باستشهاد شقيقه برصاص الاحتلال.

بعد أيام قليلة من احتفال المدينة بانتصارها وتكريم جمال عبد الناصر للسيد عسران ورفاقه. استدعى السيد للتجنيد رغم أحقيته في الإعفاء كشقيق لشهيد. كان هناك جناح في السلطة يريد إن يطمس الدور الشعبي والتلقائي للمقاومة، وينكل برموزها. وظل السيد عسران يخدم كحارس على منزل المشير عامر حتى مجئ جمال عبد الناصر إلى بورسعيد في احتفال العام الثاني للنصر، وسأل عن السيد عسران. وفوجئ بما جرى، وأمر على الفور بتسريحه وتعيينه بهيئة قناة السويس.

لم يرتكن البطل لعمله المجيد وواصل المشاركة في صفوف المقاومة الشعبية عقب هزيمة 1967 وبقى في بورسعيد طوال فترة الاستنزاف والتهجير.

وعقب زيارة السادات المشئومة للقدس رفض الضغوط العنيفة لإجباره على تأييد مبادرة السادات، واكتشف موهبته في كتابة الزجل. وتردد على تجمعات الأدباء والمثقفين يلقى أزجاله اللاذعة. وارتبط بحزب التجمع وأعضائه، وشارك في كافة معاركه؛ خصوصا لجان مناصرة الشعب الفلسطيني.

قبل العدوان الامريكى على العراق كان البطل قد أنهى واجبه تجاه أبنائه الثلاثة، فسافر إلى العراق ليشارك ضمن الدروع البشرية في مواجهه العدوان المنتظر، إلا أن شيئ ما جعله ينفر ويعود إلى بورسعيد.

قبل وفاته بحوالى شهريين غاب عن مقهى سمارة الذي اعتاد إن يلتقي فيه يوميا بمحبيه وأصدقائه. وكلما اتصل احد بمنزله للاطمئنان، تخبره زوجته انه مسافر خارج بورسعيد كما أوصاها. الصدفة وحدها جعلت محبيه يعرفون انه يرقد مريضا بإحدى المستشفيات العامة.

ويكتب شاعر الشعب عبد الرحمن الابنودى عن البطل المهمل. وينقل السيد عسران إلى المعهد القومي للأورام، وهو لا يعلم الجهة التي تتحمل نفقات علاجه. الصدفة وحدها كشفت إن البنك الأهلي هو الذي نال هذا الشرف.

وفي يوم وفاته امتلئ المسجد العباسي ببورسعيد بالمصلين الذين كان غالبيتهم من الشباب. أدى الجميع صلاة الجنازة على جثمان البطل. تقدمت الجنازة الشعبية باقات الزهور التي طالما أحبها السيد، وطوقت عنقه. صارت الجنازة على الإقدام والبطل محمولا على أعناق محبيه والجنازة محاطة بتواجد أمني كثيف؟!!

عن صفحة الشهيد : إبراهيم الرفاعي 

NomE-mailMessage