JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

محمد يونس يدخل مغامرة صحفية إلى دولة البلطجة


- الجباية  مقابل الحماية شعار جمهورية البلطجة 

- دولة البلطجة في مواجهة دولة القانون .. من سينتصر؟ 

أسطورة البلطجة الشاملة “المعلم” ابن الأصول والجدعنة، الذي يملك مفاتيح القوة في أقوي معانيها من المال والسلاح والرجال والنفوذ، تربع علي عرشها دون منازع حتي أصبح بمثابة الأب الروحي لكل بلطجية مصر من القاهرة لأسوان.

أنا رئيس جمهورية، جملة قالها “المعلم” في التحقيقات أمام النيابة، وكان يعنيها تماماً، هو ابن عصر دولة الفساد والإفساد، ابن عصر تقسيم الدولة إلي جمهوريات وإقطاعيات، كل جمهورية يديرها “كبير” موثوق به، تترك له السلطة والثروة والسلاح ليسيطر علي “جمهوريته” ويضمن الولاء للريس الكبير، فبالتأكيد كان “المعلم” سيصبح وزيراً للداخلية، إذا ما عاد مبارك أو عائلته أو المافيا المولودة برعايته، فهو أمير، كما سمته الصحافة، لكنها أخطأت حينما استسهلت وحصرت إمارته في البلطجة فحسب.

لا يفصل وعي وخيال “المعلم” بين “المافيا” و “الدولة” كلاهما بالنسبة له كيان واحد يحقق الاستقرار للبلد، وفرصة لتضخيم الثروة واقتناء القصور وملاعب المتع الفاخرة، وبناء سلطة معنوية علي البشر، لا تشبه بالضبط سلطة الفتوات التي ترسخت في أذهان العامة من الجمهور.

المعلم لا يسرق من الأغنياء ليوزع علي الفقراء، لكنه يضع نفسه وسط الأقوياء بما ليس لديهم، ويسميه هو “الرجولة” و “الجدعنة” وتسميه الصحافة والسلطة عندما تغضب “البلطجة”، وهي من زاوية ما يمكن توصيفها بأنها محاولة لفرض دستور أو قانون غير مكتوب، أو تحويل الحماية إلي سلعة سرية تضرب فكرة احتكار العنف الذي يميز الدولة الحديثة. 

هذه السلعة في وعي وخيال “المعلم” تباع من أجل تثبيت الوضع القائم ما دام قائماً، وهذا ما يحوله إلي “قوة ضاربة” في يد من يسمون أنفسهم “الكبار” وهم فئة لا يجب أن تظهر لها أياد ولا أصابع، ويحتاجون إلي مستثمر في هذا النوع من الخدمات.

لا أعلم ما الذي يجذبني في الحديث عن هذا الشخص، علي الرغم من أنه أكثر أبطال الروايات قابلية للاختصار، فالإعلام جعله “رمزاً للبلطجة” في مصر، وبعدها تحول من صائد خفي للحكومة إلي صيد ثمين طبقت عليه الأدبيات الحكومية قواعدها نفسها، فنسجت أساطير وعالماً خرافياً سيصعب معه مهما كنت محترفاً في الغوص اكتشاف الحقيقي من الخرافي. 

هذا الرجل الذي يردد أنصاره دائماً أنه رجل طيب القلب ويعددون مواقفه الإنسانية التي لا حصر لها، ورمزاً للرجولة والجدعنة والشهامة، حتي يصل بك الأمر أنك في حضرة الشخصية الأسطورية “روبن هود”، هذا الفارس الشجاع الهمام المهذب، وهنا يستوقفني مدي التناقض بين ما أسمعه من مريدينه ودرويشه في شتي بقاع أرض المحروسة، وبين حقيقة ما وصل له هذا الشخص من كيان مؤسسي منظم وعميق ومدي علاقاته المتشعبة بجميع طوائف الشعب من رجال دولة ورجال أعمال وفنانين وغيرهم.

وعلي الجانب الأخر يردد خصومه روايات جديدة عن الرجل، واستقطابه فتيات الليل التي تعمل في “الكباريهات” التي يملكها هو وأصدقائه من الخارجين علي القانون، واستخراج جوازات سفر لهن من أجل تنظيم رحلات سياحية خارج البلاد مدفوعة الأجر من “المعلم”، ومع موعد العودة من الرحلات السياحية، يتم إستخدام الفتيات في جلب مخدر “الأيس” داخل ملابسهم الخاصة، وترويجها داخل “الكباريهات” و “الديسكوهات” علي الزبائن، مما يزيد من حجم ثروته الطائلة، علي حساب الأمن القومي المصري وما يترتب عليه من إنتشار معدلات الجريمة وانتشار أعمال العنف والبلطجة، وتغيب وعي الشباب، ويساهم في تكدير السلم الاجتماعي وانتشار الفوضي في مناحي البلاد.

الحكاية عن شخص مثل “المعلم” ليست سهلة، فهي مثار دهشة تشبه الدهشة أمام العجائب، وسيرة الرجل وتفاصيل حياته يحيط بها الغموض، وما يردده أنصاره وخصومه من حكايات، أضفي عليه رداء أسطورياً، ولكن الحقيقة الوحيدة المجردة أمام الجميع، أنه مدان وصادر ضده حكم بات من محكمة النقض بالسجن المؤبد في عدة اتهامات منها البلطجة وحيازة أسلحة نارية ومخدرات، وخروجه من السجن بعفو رئاسي، ليس بمثابة براءة من التهم الموجهه إليه أمام الرأي العام.

من وجهة نظري المتواضعة أن “المعلم” ليس مجرد شخص عابر يمكن استبداله بشخص اَخر يقوم بالمهمة، إنه الذراع القوية التي تتحرك في الخفاء بعيداً عن تعقيدات القانون لتحسم الخلافات وتفرض حضور القادر علي دفع تكاليفها.

فإذا تطرقنا للأحاديث والأقاويل التي نسمعها مؤخراً من القاصي والداني عن “المعلم”، نري أنه تعافي تماماً من صدمة الانهيار وبدأ من جديد في بناء إمبراطوريته وأمجاد الماضي للسيطرة علي سوق البلطجة، بالتعاون مع مجموعات من التشكيلات العصابية والإجرامية المدربة من أصحاب مكاتب الحراسات والجاردات المنتشرة في أرجاء البلاد، ويعود إلي المشهد من جديد في غفلة من الزمن  حتي يصبح أمراً واقعاً علي الجميع.

فلم يعد هناك مكان في مصر بمناى عن حوادث البلطجة، والقتل، والسرقة بالإكراه، والاختطاف مقابل الفدية، وحلت لغة السلاح محل الحوار والتفاهم بالعقل والمنطق والقانون، وصارت البلطجة هي الحل الوحيد للمشكلات، وضاعت هيبة الدولة وسط حالة من الانفلات الأمني التي انتشرت معها أعمال العنف، التي أيقن معها الخارجون علي القانون من رجال “المعلم” أن أيدي العدالة لن تطولهم.

ما يجري في مصر هذه الأيام تصعب ملاحقة أحداثه فضلاً عن تفاصيله، ويتجاوز الأمر مجرد الكلمات، وتتشكل في الواقع مراكز جديدة وتخرج للعيان قوي طال زمن اختفائها في حضن النظام البائد، حتي أن البلطجية الذين استخدمهم نظام “مبارك” أداة للقمع والقتل، أصبحوا جزءاً من القوي الموجودة بالمجتمع حالياً ومن الواجب الانتباه إلي أفعالهم، وتحدثنا مراراً وتكراراً أن البلطجة، تشكل خطراً داهماً علي أركان الجمهورية الجديدة أكثر من الإرهاب الأسود، وعلي أجهزة الدولة المعنية أن تتوخي الحذر وتعي ما يدور داخل كواليس هذه الإمبراطورية الجديدة القديمة، التي تنتشر إنتشار الهشيم في النار بشكل منظم ومرتب، لترسيخ قاعدتها ونشر الفوضي من جديد والعمل علي ترهيب المواطنين والتشكيك في قدرة الدولة علي التصدي لمثل هؤلاء البلطجية.

مناشدة الدولة بوضع إستراتيجية للتعامل مع أعمال البلطجة أصبح حتمياً، ونناشد أيضاً سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة النظر والاهتمام بهذا الملف، الذي يؤرق الكثير من المواطنين الذين يستشعرون الخطر الداهم  علي حياتهم وأموالهم في وجود دولة موازية للدولة تدعي “دولة البلطجة” وفرض السيطرة والنفوذ، في حضرة الدولة المؤسسية التي يسعي إليها سيادته ونسعي لها جميعاً، وأن يضع ملف البلطجة والحفاظ علي أرواح المواطنين ضمن أولويات خطة الحكومة، لأن هذا الملف لا يقل أهمية عن أعمال الإنشاء والتشييد التي تشهدها الجمهورية الجديدة.

وننوه سيادة الرئيس، أن شخصية العميل السري لدولة البلطجة والأعمال القذرة في عهد مبارك، تطل علينا من جديد لممارسة نفس الأنشطة الإجرامية وبناء جيش نظامي من البلطجية والخارجين علي القانون تحت لواء وسيطرة “المعلم” ورجاله المخلصين، وعلي مراّي ومسمع من الجميع، وبمباركة ومساندة رجال حزب سياسي كبير،..  تبقي الحكاية سخيفة، .. والرسالة مفاداها أن ما كان يفعله حزب مبارك الحاكم في الخفاء، سنفعله نحن في العلن، وعلي المتضرر اللجواء إلي الله.


أعلم جيداً حجم وخطورة هذا الملف علي حياتي الشخصية، وأعلم جيداً أنني داخل عيش الدبابير الذي يحوي بداخله مجموعة من المنتفعين وأصحاب المصالح الشخصية، الذين يدافعون باستماتة وبكافة أساليب البلطجة عن بقاء “المعلم” في المشهد لأن بقائه يضمن بقاء الكثير منهم علي الساحة وداخل الملعب السياسي والاقتصادي، ولكن العهد الذي بيني وبين وطني وقلمي ومهنتي، يحتم عليا الخوض في مثل هذا الملف دون النظر إلي مدي الضرر الواقع علي شخصي، فإذا أرادوها معركة، فأهلاً بالمعارك في صالح الوطن وإستقرار مواطنيه، والحفاظ علي مكتسبات الجمهورية الجديدة.

NameE-MailNachricht