" الطريق المسدود " 12 د. عبدالخالق فاروق : سياسات السيسي والمسكوت عنه في " حقل" ظهر للغاز


من المفارقات المحزنة فى الحالة المصرية ، هو كيف تحولت ثروة البترول والغاز والمعادن من نعمة تدفع بمستوى معيشة المصريين إلى التحسن والتقدم ، إلى شىء أخر تماما ، حيث زادت المعاناة خصوصا منذ تولى الجنرال السيسى الحكم ، بسبب سوء إدارة هذا القطاع الحيوى ، وإنتشار ممارسات الفساد داخله ، مما أدى إلى زيادة عمليات النهب وسيطرة الشركاء الأجانب على ثروات هذا القطاع . 

خصائص عقود البترول والغاز وكيفية التلاعب بها

ومن أهم المرتكزات الأساسية فى العقود الموقعة فى مجال البترول والغاز مع الشركات الأجنبية العناصر الأساسية التالية(1): 

1-طبيعة إلتزامات الشريك الأجنبى ، سواء فى مرحلة الأمتياز الأولى ( البحث والأستكشاف ) ، أو فى مرحلة الإمتداد  Extension  ، أو فى مرحلة التنمية والانتاج ، خصوصا ما يتعلق منها بمنح التوقيع  Signature Bonus  ومنح الانتاج  Production Bonus ، وكذلك حجم الانفاق والاستثمارات المقدرة فى كل مرحلة من هذه المراحل.

2-المدد الزمنية للعقود ، خصوصا المدة الأولية للبحث والإستكشاف ، فكلما طالت هذه المدد ، وزاد عليها المد الأختيارى للعقود ، يؤدى ذلك إلى تحمل الجانب المصرى بنفقات أعلى فى بند إسترداد التكاليف فى حال الاكتشاف التجارى للزيت الخام ، أو الغاز الطبيعى ، لأن الفترة تحمل كلها بتكاليف هذه المراحل مجتمعة من ناحية ، أو حرمان مصر من فرص إعادة طرح هذه المناطق على شركات دولية جديدة من ناحية ثانية . 

3-بند إسترداد التكاليفRecovery of Costs، وكيفية حسابه والتدقيق فى سجلات وفواتير المقاول ( الشريك الأجنبى ) منعا للتلاعب أو تحميل الجانب المصرى بأعباء غير ضرورية . 

4-طريقة توزيع الحصص ، وشراء بعض حصص الشريك الأجنبى . 

5-ملكية الأصول والمعدات بعد إنتهاء فترة عقد التنمية ، أو تخلى الشريك الأجنبى عن العقد ، وطريقة تسجيلها ، ومنع التلاعب ، أو احتمالات التواطؤ بين المقاول أو الشريك الأجنبى ، وبعض الموظفين المصريين كما أظهرت وقائع عديدة وتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وما رواه وزير الصناعة الأسبق الدكتور مصطفى الرفاعى خير دليل على ذلك(2). 

6-نظم الرقابة والتفتيش على السجلات والعينات ، والتى بدا بوضوح من قراءة العقود المصرية مع الشركاء الأجانب خلال الثلاثين عاما الأخيرة ، التساهل وإستخدام تعبيرات ومصطلحات لم تكن موجودة من قبل ، من شأنها أن تغل يد المراقبين المصريين عن التفتيش بدقة وصرامة على أعمال المقاول والشريك الأجنبى ،  مثل تعبيرات " فى الأوقات المناسبة " ، أو " بالطريقة المناسبة " أو " فى الحدود المعقولة " . 

7-كيفية حساب الضرائب على الدخل ، والضريبة الأضافية ، أو ضرائب الأرباح. 

8-الأتاوة التى تقدر كنسبة من كميات البترول أو الغاز المنتج من الأبار ، وفقا للسعر المعلن ، وهى تتفاوت من بلد إلى أخر ، ومن عقد إلى أخر ، حيث تصل فى ليبيا إلى 16.67% بينما تتدنى فى مصر إلى 10% .

9-حقوق الجانب المصرى مثل حق الإلغاء ، وحق الاستيلاء ، وحق الشريك الأجنبى فى التنازل ، وشروط تطبيق هذه الحقوق الأساسية فى التعاقد . 

10-مسئولية الشريك الأجنبى أو ( المقاول ) ، أو الشركة القائمة بالعمليات فى التعويض فى حال الإضرار بالغير.

11-وأخيرا وليس أخرا مبادىء قانونية أساسية ينبغى أن يتضمنها العقد مثل مبدأ " القوة القاهرة " ، أو مبدأ " تغير الظروف "  اللذين يمثلان بوابة العبور من المواقف الصعبة بالنسبة لحكومات الدول النامية أو المنتجة . 

وسط هذه الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية المصرية الجديدة  التى مرت على مصر – دولة وشعبا - نشأت آليات منتظمة للتعاقد والعلاقات بين قيادات قطاع البترول والغاز المصرى ، وبين الشركات الكبرى فى السوق الدولية  ، فعلى سبيل المثال  أستمر ضغط الشركات الأجنبية على قيادات وزارة البترول وهيئة البترول ، حتى جرى تعديل على الاتفاقيات منذ عامى 1987 و 1988 ، ووفقا لهذه التعديلات ، ففى حال ظهور الغاز الطبيعى تسترد الشركات الأجنبية تكاليف البحث والتنقيب فى حدود 40% ، علاوة على 25% حصتها من الغاز المستخرج ، وبهذا تحصل الشركة الأجنبية على ما يزيد على 65% من الغاز المصرى المكتشف ، ويبقى لمصر حوالى 35% فقط من هذا الغاز ، كما أصبحت مصر منذ ذلك التاريخ ملتزمة بشراء 75% من حصة الشريك الأجنبى من الغاز ، وهو ما يعفى الشريك الأجنبى من أعباء تسييل الغاز وتصديره ، كما أعطت هذه التعديلات الشريك الأجنبى حق التحفظ على الغاز لمدة سبع سنوات للبحث عن وسيلة لتسويقه ، أو تصديره إلى الخارج دون إلتزام بالحفاظ على إحتياطى قومى لمصر (3) . 

ومن ضمن الوسائل والأساليب التى قد تضر بالجانب المصرى ، ما يجرى فى  طريقة حساب إيرادات شركات البترول والغاز الأجنبية ، فهناك طريقتان  فى حساب تلك الإيرادات : 

الأولى : تلك التى تستخدم ما يسمى الأسعار المعلنة Posted Price لبرميل الزيت الخام أو الغاز الطبيعى وتحسب على أساسها الضرائب المستحقة للدولة المصرية .

والثانية : التى تستخدم ما يسمى الأسعار الفعلية  Realized Price لبرميل الزيت الخام أو الغاز وغالبا تقدمها الشركات الأجنبية لمساهمى الشركات ومموليها . 

فالطريقة الأولى : هى التى تستخدم عادة فى مصر مع الشركات الأجنبية تحت شعار جذب الاستثمارات وعدم ( تطفيش المستثمرين ) ، تؤدى دائما إلى إهدار جزء من الموارد التى كان من المفترض دخولها إلى الخزانة العامة . فجميع الخبراء العاملين فى هذا الحقل يعرفون تماما أن الشركات الأجنبية غالبا ما تتلاعب بالأسعار المعلنة ، والذى يتكون من جزأين ، الأول : السعر المعلن الأساسى Base Posting والثانى : السعر المتغير والذى يمثل علاوة مؤقتة تمنح على السعر ، وقد نجحت ليبيا فى عهد القذافى وبعض دول أمريكا اللاتينية فى أضافة هذه العلاوة على السعر المعلن وأسمتها علاوة التضخم أو علاوة الشحن أو غيرها (4). 

أما أسعار السوق وهى الأسعار الحقيقية التى – للأسف – لا يجرى التعامل على أساسها فى مصر لحساب إيرادات الشركات الأجنبية من ناحية ، وبالتالى حساب الضرائب المستحقة عليها للدولة المصرية . 

قراءة فى تغير عقود البترول  والغاز المصرية مع الشركاء الأجانب

إذا تناولنا نصوص بعض عقود البترول التى وقعتها الحكومة المصرية مع الشركات الأجنبية ، نستطيع أن نميز بين ثلاثة مراحل مختلفة هى : 

الأولى : عقود ما قبل عام 1975 . 

الثانية : عقود الفترة من 1976 حتى عام 2000 . 

الثالثة : عقود الفترة التى تولى فيها سامح فهمى مسئولية وزارة البترول وأستمرت بعد عزله ( 2000 – 2019 ) .

ونظرا لصعوبة عرض كل العقود التى تمت خلال الفترات المشار إليها ، خاصة فى الفترة الممتدة من عام 1976 حتى عام 2010 والتى تجاوز عددها 471 أتفاقية وعقد ، ودخول القطاع الخاص المصرى على خط إستغلال الموارد  البترولية والغازية المصرية بداية من عام 1994، حيث تم توقيع أول إتفاقية لتشجيع استثمارات القطاع الخاص المصري للتنقيب عن البترول والغاز في مصر ، لذا سوف يقتصر عرضنا على نموذج لعقد فى كل مرحلة من تلك العقود هى : 

1-القرار الجمهورى بقانون رقم (155) لسنة 1963 بشأن التعاقد بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى المؤسسة المصرية العامة للبترول ) وشركة ( فيلبس ) الأمريكية بالبحث عن البترول فى منطقة الصحراء الغربية . 

2-التعديل الذى تم على تلك الاتفاقية عام 2003 ، بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للبترول ) وشركة ( أباتشى ) الأمريكية فى منطقة الصحراء الغربية  ، وهذه الشركة (أباتشى أم بركة L.DC ) هى شركة محدودة الأسهم ومنشأة طبقا لقوانين جزر ( كايمان ) البريطانية التى تعد أحد الملاذات للتهرب الضريبى . 

3-القانون رقم (81) لسنة 2007 بالتعاقد بين الحكومة المصرية ( ممثلة فى شركة جنوب الوادى القابضة ) وشركات ثلاثة أجنبية هى شركة ( جوجارات ستات بتروليم كوربوريشن ليمتد ) وشركة (جو جلوبال ريسورز ) الكندية المسجلة فى جزيرة ( باربادوس ) وشركة ( ألكو نيروليمتد – ألكور ) فى منطقة الصحراء الغربية . 

فلنتأمل التطور – أو التدهور – الذى حدث فى صياغة العقود المصرية مع الشركاء الأجانب خلال هذه الفترة ، وما يكمن خلفها من مصالح ، وما ترتب عليها من إهدار لموارد مالية وثروات طبيعية مصرية . 

مدة العقد : فى التعاقد الذى تم عام 1963 كانت مدة العقد 30 عاما  للبحث والإستكشاف  والتنمية يحق مدها إلى مدد أخرى قد تصل إلى 15 عاما ، وهى مدة طويلة جدا ،  لكن فى التعديل الذى تم عام 2003 أصبحت مدة عقد التنمية ( الانتاج )20 عاما  تبدأ من تاريخ سريان هذه الإتفاقية ، مضافا إليها فترة الإمتداد الأختيارية ومدتها 5 سنوات ، ويجوز للمقاول(يقصد بالمقاول فى عقود البترول الشركة المشتركة التى تؤسس بين هيئة البترول والشركة الأجنبية ) .طلبها بخطاب يرسل إلى الهيئة قبل 6 شهور سابقة من تاريخ إنقضاء الاتفاقية ، وتنازلت هيئة البترول المصرية عن وضع أية شروط جديدة لمد الفترات ، أو توقيع عقد جديد يسمح بالحصول على منحة توقيع وأضافة موارد جديدة للخزانة العامة المصرية ، فى أتفاقية عام 2007 جرى تغيير جوهرى حيث أصبحت مدة البحث 4 سنوات من تاريخ السريان ، يمنح بعدها المقاول فترة إمتداد لمرتين متلاحقتين مدة كل منهما سنتان ، أى لدينا 8 سنوات ،لكن فترة تنمية الأكتشاف التجارى تصل إلى 20 عاما من تاريخ الإكتشاف بخلاف فترات المد ( 4+2+2) ، بحيث لا يزيد أجل عقد التنمية عن 35 عاما من تاريخ الإكتشاف التجارى ، ويمكن الإتفاق على خلاف ذلك بموافقة وزير البترول ( بما يفتح بابا واسعا لإفساد وزراء البترول المصريين ) (5). 

2-الأتاوة : فى الأتفاقية الأولى (ق 155 لسنة 1963 ) كانت نسبة الأتاوة 15% من كمية الانتاج اليومى ( م 21)  تدفع على أساس السعر المرجح  لتصدير الزيت الخام خلال الفترة المستحق عنها الأتاوة ، كما نص العقد على أن تشمل أتاوة الحكومة المصرية كل مادة هيدرو كربونية – بخلاف الزيت الخام – على أساس القيمة السوقية عند رأس البئر أو المنشأت الأخرى ، ولكن فى التعديل الذى تم عام 2003 خفضت نسبة الأتاوة إلى 10% فقط  وتسرى هذه النسبة أيضا على فترة التجديد ، كما أسقط النص على كل المواد الهيدروكربونية السابق الإشارة إليها فى عقود الستينات ، وكذلك لم يأخذ بالقيمة السوقية وأنما أخذوا تحت ضغط الشركات الأجنبية وممثليهم ( مثل السيد طارق حجى ) بالسعر المعلن وهو أقل قيمة من القيمة السوقية(يقصد بالقيمة السوقية متوسط السعر المرجح المتحصل عليه من المشترين من غير الشركات التابعة مطروحا منها التكاليف والمصروفات التى أنفقت فى معالجة هذه المادة ، وهذا يختلف عن السعر المعلن الذى أخذت به العقود المصرية منذ منتصف الثمانينات والتسعينات ) . 

3-التخلى  Relinquishments: وفقا لإتفاقية عام 1963 ، فقد نصت على أنه فى حال انقضاء السنة الثالثة من تاريخ نفاذ الاتفاقية ، أو قبل إنقضائها يتخلى المقاول ( الشركة المشتركة بين المؤسسة وشركة فيلبس ) عن عدد من قطاعات البحث يعادل ربع المساحة على الأقل من مجموع قطاعات البحث ، وعند إنقضاء 6 سنوات بعد نفاذ الاتفاقية يتخليان عن ربع القطاعات الأخرى ، وعند إنقضاء 10 سنوات يكونلهما أن يختارا ، وأن يحتفظا بعدد من قطاعات التى تكون قد تحولت إلى عقود تنمية ، أو طلب تحويلها إلى ذلك ، ويحق لشركة فيلبيس بعد إنقضاء 3 سنوات التخلى عن أى قطاع بشرط إخطار الحكومة المصرية قبلها بتسعين يوما على الأقل ، وفى هذه الحال تعفى شركة فيلبس من أى إلتزامات ، وإذا كان نفقاتها أقل من تلك الملتزمة بها تدفع للحكومة المصرية 50% الفارق ،  وذهبت الاتفاقية إلى أبعد من ذلك بالنص صراحة على أنه إذا لم تحفر شركة فيلبس خلال 24 شهرا من نفاذ الاتفاقية بئرا إستكشافيا واحدا فى أحد مناطقها ، فعليها أن تتخلى للحكومة المصرية عن واحدة من تلك المناطق الثلاثة المشمولة بالعقد ، وما لم يوافق الوزير المصرى على إعفائها من ذلك ، على العكس من ذلك فى تعديل الاتفاقية عام 2003 ، حيث نصت على تنازلات جديدة للشريك الأجنبى ، منها أنه فى حال عدم تحقيق انتاج تجارى للزيت ، أو الغاز خلال 5 سنوات من تاريخ سريان هذه الاتفاقية ، يمكن للهيئة أن توافق على إستمرار قطاع التنمية هذا فى يد المقاول ، وهنا يتبين مقدار التنازل والتضحية بالمصالح الوطنية المصرية مقارنة بما كان يجرى من قبل ، وحتى بما كان يجرى فى الدولة المجاورة ( ليبيا ) منذ عام 1970 (6) ، وفى اتفاقية عام 2007 جرى مزيد من التنازلات حيث نصت على أنه فى نهاية السنة الرابعة بعد سريان تلك الاتفاقية يتخلى المقاول عن ربع المنطقة الأصلية التى لم يتم تحويلها إلى عقود تنمية ( م 5 ) ، وفى نهاية السنة السادسة يتخلى المقاول للحكومة المصرية عن ربع أضافية من المنطقة الأصلية من تاريخ سريان الاتفاقية التى لم تتحول إلى عقود تنمية ، إلى هنا ويبدو هذا النص جيد ، ولكن بقية نصوص الاتفاقية شديدة الضرر حيث جاء فى هذا العقد وبقية عقود تلك الفترة مبدأ  جديد هو (وحدة وعدم إنقسام مفهومى الأكتشاف التجارى وعقد التنمية ) ، أى أصبح عقد التنمية هو إمتداد قانونى لعقد الالتزام بالبحث والإستكشاف دون حاجة لموافقة حكومية جديدة ، وعقد جديد  كما جاءت هذه الاتفاقية بمبدأ جديد يقوم على جعل فترات إعلان نتائج البحث والتنقيب للجانب المصرى طويلة جدا تمتد من 30 يوما إلى 12 شهرا  بالنسبة للزيت الخام ، و إلى 24 شهرا بالنسبة لآبار الغاز الطبيعى .  

4-الانتاج وتوزيع الحصص  Sharing Production :  وفقا لإتفاقية عام 1963 ، عندما يتحقق إكتشاف تجارى فى أى منطقة من المناطق الثلاثة للبحث يتحمل المقاول 50% من جميع التكاليف والمصروفات التى تنفق على التنمية والانتاج ، وعلى مواصلة البحث والعمليات الأخرى داخل المنطقة باستثناء الأراضى التى تكون قد تحولت إلى عقود تنمية متى كانت شركة فيلبس قد أنفقت ما إلتزمت به من مبالغ وهو 10.0 مليون دولار ، وفى حال الكشف التجارى خلال فترة لا تقل عن 60 يوما قبل بدء السنة التقويمية  (يقصد بالسنة التقويمية التى يبدأ منها حساب الشركة على ما تنتجه من زيت أو غاز ) ، يجوز لشركة فيلبس أن تخطر المؤسسة برغبتها فى أن توفى كل أو بعض ما قد يكون باقيا عليها من إلتزامات البحث فى عقد التنمية المشتركة  ، ونصت الاتفاقية على مناصفة الانتاج يتصرف فيه كل طرف بمعرفته ، أما الاتفاقية المعدلة عام 2003 فقد نصت على طريقة جديدة لإقتسام الانتاج يقوم على خصول الشريك الأجنبى على 40% من كمية الانتاج اليومى فى صورة إسترداد التكاليف ، والنسبة الباقية (60% ) توزع مناصفة بين الهيئة والمقاول ، بمعنى أخر فأن الشريك الأجنبى يحصل على 60% من كمية الانتاج اليومى على الأقل ، وأضافت الاتفاقية الجديدة ، مبدأ خطيرا حيث نصت على أنه فى حال إكتشاف الزيت الخام ، فلن يكون المقاول والشريك الأجنبى مطالبا بالتقدم بطلب لتوقيع عقد جديد ، كما أن له الحق فى فترة " الإمتداد الإختيارى " مدتها 5 سنوات سابقة لتاريخ إنتهاء ال20 عاما ، وزادت عليها النص على موافقة الهيئة على إستمرار قطاع التنمية هذا فى يد المقاول ، إذا لم يتحقق إنتاج تجارى للزيت أو الغاز خلال 5 سنوات من تاريخ سريان العقد ، أما اتفاقية عام 2007 فقد نصت على أن يكونتوزيع الحصص على أساس 37% فى صورة إسترداد التكاليف ، وتوزع النسبة الباقية (63% ) بين شركة جنوب الوادى القابضة والشريك الأجنبى ، وفقا لكميات الانتاج ، والتى تظهر أن حصة الشريك الأجنبى سوف تزيد  فى المتوسط على 64.5% من كميات الانتاج اليومية  . 

5-استرداد التكاليفRecovery of Costs : حدث تطور – أو تدهور مهم – فى هذا المجال فوفقا لأتفاقية عام 1963 فأن إحتساب بند إسترداد التكاليف كان شديد الحرص على المصلحة الوطنية المصرية ،حيث كانت لا تزيد على 25% ، وينص فيها على أن شركة فيلبس تقدم كل ثلاثة شهور قائمة بالتكاليف التى تحملتها والمستندات اللازمة لها جاهزة للفحص فى أى وقت، وقد حرص المفاوض المصرى فى اتفاقية عام 1963 على التدقيق والتمييز بين تكاليف الحفر للآبار والتكاليف التى يتحملها الطرف المقترح ، والطرف غير المقترح لهذا الحفر ، حتى يجنب الجانب المصرى فى هذه الشراكة مصروفات غير ضرورية قد يقوم بها الشريك الأجنبى دون مقتضى . 

أما فى أتفاقية عام 2003 فقد جرى إحتساب مختلف لبند إسترداد التكاليف شاملة التكاليف والمصروفات بجميع عمليات البحث والتنقيب والتنمية ، والعمليات المتعلقة بها – وهو تعبير مطاط يدخل عناصر غير ضرورية – فى حدود 40% من كل البترول المنتج ، والمحتفظ به من عقد التنمية داخل حدود المنطقة ، وأضاف إلى ذلك المصروفات غير المباشرة التى قد تشملها معدات غير ضرورية وسيارات ووقود شخصى وغيرها من العناصر ، وتشير تجربة ليبيا على سبيل المثال إلى تضيقهم من مفهوم المصروفات غير الضرورية نظرا لسابق تلاعب الشركات الأجنبية خصوصا الأمريكية والبريطانية والإيطالية بها (7).وزادت على ذلك  الاتفاقية المصرية لعام 2003 بأن وزعتها بحيث تكون نفقات البحث المستردة بمعدل 25% سنويا ، تبدأ من تاريخ سريان الاتفاقية ، وليس من تاريخ العمل بها ، وفى السنة الضريبية التى حملت ودفعت فيها هذه النفقات ، بالاضافة إلى 25% أخرى لنفقات تنمية الحقول تسترد أيضا سنويا وبنفس الطريقة ، وأخيرا يضاف إليها مصروفات التشغيل التى تسترد فى السنة الضريبية ،  بل لقد أوغل مفاوض هيئة البترول المصرية فى إرضاء الشريك الأجنبى على حساب المصالح المصرية بالنص على أنه (  عندما تزيد قيمة كل البترول المخصص لإسترداد التكاليف على التكاليف والنفقات الفعلية القابلة لإسترداد والمزمع إستردادها فى ربع السنة ذاك ، بما فى ذلك ما قد يرحل طبقا للمادة السابعة فأنه يتعين تقسيم قيمة  هذا الفائض من البترول بين الهيئة والمقاول ) ، أى أنه ببساطة جعل الشركة الأجنبية تشاركنا فى قيمة البترول الزائد عن بترول الاسترداد  بدلا من أن تسترد الهيئة هذا الفائض كله ، فى سابقة غير معهودة فى تاريخ العقود المصرية حتى منتصف الثمانينات . 

وبالمقابل وحفاظا على حق الشريك الأجنبى جاء النص بأنه ( يحق للهيئة قبل بدء كل سنة تقويمية ب 90 يوما أن تخطر المقاول كتابة بطلب سداد نصيبها من هذا الفائض بنسبة 100% عينا بالزيت الخام بشرط  ألا تزيد كمية الزيت الخام الذى تأخذه الهيئة عينا فى أى ربع سنة على قيمة الزيت المخصص لإسترداد التكاليف المأخوذه فعلا ، والذى تصرف فيه المقاول بصفة منفردة ) ، فهنا توضع القيود لحماية مصالح الشريك الأجنبى فى زيت الاسترداد ، أما مصر ومصالحها فعليها ألف قيد وقيد ، حرصا على الاستثمار والمستثمرين  ...!! 

أما أتفاقية عام 2007 فقد خفضت نسبة الاسترداد إلى 37% من كمية الانتاج اليومى ، ولكنها عادت ووزعت حصص الانتاج بحيث تصل نسبة ما يحصل عليه الشريك الأجنبى إلى 62.5% من كمية الانتاج كما سبق وأشرنا . وقد زادت عليها بأن نصت إرضاء للمستثمرين والشركات الأجنبية بأنه ( إذا كانت التكاليف والمصروفات فى أى سنة ضريبية تزيد على قيمة كل البترول الواجب إستردادها فى تلك السنة الضريبية ، فأن الزيادة ترحل لإستردادها فى السنة أو السنوات الضريبية التالية إلى أن تسترد بالكامل ) ، يضاف إلى ذلك ثغرة أبليس التى فتحت لبعض ممارسات الفساد حيث نصت المادة ( ) من تعديل عام 2003 على أنه ( إذا لم تقم الهيئة بأخطار المقاول – والشريك الأجنبى بالطبع – فى مدى ثلاثة شهور بإعتراضها على البيان فأن هذا البيان يعتبر معتمدا ) ، بمعنى أخر فأن إهمال مسئول فى هيئة البترول أو شركة جنوب الوادى القابضة التى حلت تقريبا محل هيئة البترول بعد عام 2004 ، أو حصوله على رشوة للتغاضى عن الرد سيكلف مصر عدة ملايين من الدولارات هى مسألة تترك هكذا . 

6-شراء البترول : وفقا لإتفاقية عام 1963 ورد فى المادة (28) النص على حق الحكومة المصرية فى شراء الزيت الخام بما لا يجاوز أحتياجات معامل التكرير فى البلاد ، ولا تزيد كمية شراء الحكومة للزيت الخام عن 20% من الكمية التى تملكها شركة فيلبس أو مؤسسة البترول ، وفقا لإخطارت سابقة متدرجة زمنيا ، أما الأسعار فقد حددتها الاتفاقية بأقل 10% من متوسط السعر المرجح الذى حصلت عليه مؤسسة البترول المصرية ، أو شركة فيلبس المصدرإلى الخارج خلال الشهر التقويمى الذى سار فيه التسليم إلى الحكومة المصرية ، فإذا كان  الشراء أكثر من 20% من زيت شركة فيلبس أو المؤسسة فيكون سعره هو السعر الأدنى من كل من السعر الجارى استعماله فى إحتساب الإتاوات ومتوسط السعر المرجح للتصدير، أما شراء المنتجات البترولية من جانب الحكومة المصرية فهو فى حدود 20% من الكميات المستخرجة من الزيت الخام المملوك للمؤسسة أو شركة فليبس ، وسنلاحظ أن هذا النص قد أختفى تماما من عقود الثمانينات والتسعينات وحتى اليوم (2015) ، ففى الأتفاقية المعدلة لعام 2003 نصت على أنه فى حال رغبت هيئة البترول المصرية فى شراء مستحقات المقاول من البترول المخصص لإسترداد التكاليف أو حصته من البترول المخصص لإقتسام الانتاج ، فأن السعر يكون هو سعر السوق منقوصا منه 2.0% فقط لا غير ..!! وبمقارنة هذا النص بما كان موجودا فى ليبيا ، نجد أن حصول الحكومة الليبية على حصة الشريك الأجنبى كانت تتم بسعر التكلفة مضافا إليها عدة سنتات أو عدة دولارات كربح عن البرميل الواحد . أما أتفاقية عام 2007 فقد نصت على أن سعر الشراء يتحدد على أساس سعر السوق – وليس السعر المعلن – بشرط أخطار هيئة البترول المصرية الشريك الأجنبى قبلها ب 45 يوما  قبل بدء نصف السنة التقويمية ، عن رغبتها فى الشراء لكمية محددة (8).

البقية في المسكوت عنه الحلقة الثالثة عشر يوم الخميس القادم 

تعليقات

  1. ياه دراسه تحليليه غايه فى التفنيد وطرح الحقيقه بلامواربه اتمنى مسؤوليات التعاقدات البترولية الاخذ بهذه الدراسه القيمه

    ردحذف

إرسال تعليق

أترك تعليق