JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

محمد قدري حلاوة يكتب : الوطن السعيد

في إحدى بقاع وطننا العربي الممتد كان مولده . في " اليمن" السعيد.. أي عام لا يهم.. هو واحد من العامة.. من الجموع التي تأتي وتحيا وترحل بلا آثر أو شاهد يدل عليها.. اللهم سوي وافر الحظ ذو الحظوة والمكانة يخط إسمه على شاهد يحظى به قبره .. عاصر الإحتلال " الإنجليزي" طفلا يتلمس خطواته الأولى.. كبر بعض الشيئ ووعي أن بلاده منشطرة منقسمة إلى قسمين.. " يمن" في الشمال تدور فيه معارك طاحنة منذ العام ١٩٦٢.. و آخر يحيا فيه في الجنوب تطأه أحذية المحتل..

العام ١٩٦٧ تحرر الشطر الجنوبى من " اليمن".. لكنه - اليمن - بقى منقسما مجزءا...للسياسة وصراع الحكم والسلطة والنفوذ أحكام لا علاقة لها بمصلحة الوطن.. الوطن هو حكامه وحكامه هم الوطن.. تختفي وتتواري دعاوي الوحدة تحت شعارات براقة جاذبة لا تعدم طبقة المصالح والسدنة والمروجين.. كان متفوقا في دراسته.. ذهب إلى " كوبا " ليدرس تخصصا نادرا في بلاده " الكيمياء الحيوية".. يبدو أنه كان إشتراكي الفكر والنزعة.. ربما قبل أن يسافر.. قد يكون بعدها.. الأكيد انه تأثر بفكر المجتمع " الكوبي" ونظامه الإقتصادي والسياسي و دعاوي الزعيم التاريخي "فيدل كاسترو" و أسطورة المخلص " جيفارا" المصلوب لأجل حرية الفقراء والمطحونين..

كان شيئا جميلا بالتأكيد أن يتوحد بلده في العام ١٩٩٠.. صار " يمنا" واحدا.. نعم لم يخلو الأمر من صراعات وحروب من أجل الوحدة ولكنها تحققت.. كان محققها الزعيم " على عبد الله صالح" - كلهم قادة وكلهم زعماء لا ينطقون عن الهوى -.. لا أنباء تتحدث عن مساهماته العلمية.. وخدمته لقضايا وطنه.. فنحن اوطانا لا تحفل بالعلماء.. بالفكر.. بالرأي.. المواطن الصالح هو الذي عندما ينظر إلى المرآه يرى صورة الزعيم الملهم.. العلم شهيد في أوطاننا.. غريب في ديارنا... حملته كالشياطين تطاردهم الساحرات.. نتذكرهم فقط - العلماء - عندما يصيرون كالنجوم البارزة في الخارج.. كلما تحدث عنهم الآخرون وغمروهم بالجوائز.. يبدأ الحديث هنا عن أبناء الوطن.. علماؤه.. لا بأس حينها من الإعتراف والحفاوة والتكريم.. عالم يجلس بجوار الزعيم القائد يتدلي من صدره وسام او وشاح تكرم به الراعي الملهم.. تتوسط صورته صدر الصفحات الأولى تحت" المانشتيات" الحمراء.. عليه الآن أن يرد الجميل للوطن.. أي وطن هذا ياسادة الذي يأخذ ويطلب دون أن يعطي او يمنح أبدا؟..

أنباء التاريخ مخطوطة من أجل الزعماء والملوك.. الدماء والحروب.. لا ذكر فيها للبسطاء والعامة أبدا.. لذا لا تحدثنا أنباءه عن مشوار العالم " اليمني " الجليل ولا عن آراؤه وتوجهاته...إشارة يسيرة إلى أنه عضو في " الحراك الجنوبى".. لا تسلني صديقي منذ متى وكيف وعن دوره ومساهماته.. ألم أخبرك من قبل انها أسئلة حمقاء؟.. لم تكن الوحدة المزعومة سبيلا للخير في " اليمن" السعيد.. ضعف الوصف والموصوف.. هل سأل أحد أبناؤه عن سعادتهم المزعومة تلك؟.. وهل يبالي السائل ويجيب المسئول؟..

أضطر العالم " اليمني" الجليل لمغادرة وطنه عندما نشبت الحرب العبثية على بلاده في السادس والعشرين من مارس عام ٢٠١٥.. نعم هي حرب عبثية ظالمة (*) .. لماذا أنتفض مرتكبي الجرم للوصف ولم تهتز فيهم ذرة من الإنسانية للأثر المدمر؟.. عشرات الآلاف من القتلى والمصابين والمباني والمرافق المدمرة.. وأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ..هو واحد منهم لا يتميز عنهم في شيئ.. لكن طامته الكبرى انه لا يملك علاقات واسعة مع النظام الحاكم... لا هو يؤيد "الحوثيين" بالطبع.. ولا هو من الدائرة المحيطة بنظام الرئيس اليمني " عبد ربه منصور هادي".. الذي يحكم من المنفى.. من " السعودية".. قائدة التحالف العربي العبثي - لم تبدو التحالفات العربية جلها أو بالأحرى مدمرة وعبثية؟ سؤال يستحق الإجابة -..

لجأ العالم " اليمني" الجليل إلى" القاهرة".. لم يعرفه او يهتم به أحد سوي بعض قليل من أفراد الجالية" اليمنية " في " مصر".. يبدو أنه عاش حياة صعبة مريرة.. المهم انه في التاسع والعشرين من أغسطس القائظ عثر على جثة مجهولة في أحد شوارع القاهرة.. بلاغ عادي يبدو أن الضابط المسئول شعر بالتململ وهو ذاهب لتحري البلاغ.. أخاله ينتظر تحت ظل شجرة ظليلة ينفث متبرما دخان سيجارته بينما بعض العساكر و" أولاد الحلال" ينقلون جثمانه إلى سيارة الإسعاف.. ليودع بعدها في ثلاجة " المشرحة" يتدلي من صدره ورقة مكتوبة بخط ردئ " جثة مجهولة".. 

بعد أكثر من شهرين أنتبه أحد أصدقاؤه لغيابه.. بعد بعض البحث تمكن من التعرف على جثته.. ثلاثة أفراد فقط ألتقطتهم الصورة وهم يصلون عليه قبل مواراة جسده المسجي التراب في مقابر الصدقة .. صديقه وسائق عربة نقل الموتى و" الحانوتي".. عندما أنتشرت الصورة في وسائل التواصل الإجتماعي أثارت جلبة وتساؤلات غاضبة عن قصة وفاة العالم " اليمني" الجليل.. لكن الرئيس القائد - كما تصفه الأنباء - " عيدروس الزبيدي" رئيس " المجلس الانتقالي الجنوبي" - ترى هل يعرفه أحد أو سمع بإسمه من قبل -..تحرك على الفور وأصدر التعليمات كما تذكر الأنباء " وحسب توجيهات الرئيس القائد فقد تولي قسم العلاقات العامة في المجلس - الإنتقالي الجنوبى - بإنهاء جميع الإجراءات ودفع كافة تكاليف نقل جثمان الفقيد (**) لدفنه في العاصمة" عدن " المدينة التي نشأ وترعرع فيها وكان أحد ناشطيها البارزين في صفوف الثورة الجنوبية ".. أنتهي الخبر.. 


تذكرت الآن شيئا قد نسيته.. إسمه.. العالم الراحل والنشاط السياسي الجنوبى" عارف أبو عبد الرحمن ".. في الحقيقة أنني لم أنسى أو أسهو..هل يهم إسمه؟.. عنوانه؟ تفاصيل حياته؟.. مشاعره؟. الأمر ليس بتلك الضرورة وذلك الإلحاح.. إنه إشباع لنهم المعرفة والفصول لا أكثر.. ليست قصة ولا سردية رثاء تبتغي التنبيه والعظة.. من المؤكد أنها قصة تكررت من قبل - ربما فقط لم تسلط عليها الأضواء - وستتكرر كثيرا من بعد.. طالما ظلت أوطاننا تنكر العلم والعلماء.. تلفظهم طاردة.. لا تتذكرهم فقط سوي بعد حالة من الجدل الإعلامي لتواريهم التراب .. لماذا ينكرنا تراب الوطن ويمحو أثر خطانا؟.. لا يحتوينا سوي تحت الأرض؟.. يشيح وجهه عنا عليها وفوقها - الأرض - وأنفاسنا اللاهثة مازالت تتردد؟.. ربما أقاموا " للناشط السياسي" جنازة شعبية.. قد يضعوا شاهدا كبيرا على قبره.. لكن العالم أتى ورحل هذرا وهباء.. ذهبت آثار تجاربه كالدخان السابح في الفضاء مختلطا بذاك المنبعث والذي يملأ ربوع " اليمن" السعيد من القصف والدمار.. الحرب عبثية.. ووصف " السعيد" أكثر عبثا.. في أوطان لا تتورع عن العبث بالحياة والآمال والأحلام والحقوق... 

( الحق أقول.. العبث اليوم هو المعقول.." نجيب سرور ") 

(الهوامش) 

(*) ثارت " المملكة العربية السعودية" عندما وصف وزير الإعلام " اللبناني" " جورج قرداحي" العدوان على اليمن الذي أقترب من عامه السابع " بالحرب العبثية" ولم تغضب وتسحب السفراء او حتى تنبث ببنت شفة عندما وصفها " ترامب" " بالبقرة الحلوب " و" ان حكامها لا يستطيعون البقاء ساعة واحدة على مقاعدهم دون الحماية الأمريكية وعليهم ان يدفعوا المال " وهم بالطبع لم يتوانوا في الدفع في كل مناسبة وحدث.. 

(* *) كان مواطن " يمني" آخر - مجهول ومجهل بالطبع - قد توفي قبل شهور في " القاهرة" في مستشفى" القصر العيني ".. وتولى المستشفى مراسم الدفن ثم طلبوا تصريحا من السفارة" اليمنية " بالقاهرة.. لكنها طلبت ٢٠٠٠ جنيه مصري مقابل خدمات الدفن حسب مصادر حقوقية.. ولا يوضح َالخبر من الذي طلب المستشفى أم السفارة!!!..



NameE-MailNachricht