JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Accueil

محمد كامل خضري يكتب : الطب و سنينه


كان الطب على مدى التاريخ جزءا لايتجزأ من الكهنوت الذى يمارسه الحكام على الشعوب وكان يحتكره الكهنة وكانت الشعوب تعتبر أن المرض نقمة من السماء تستوجب مراضاة الآلهة وكان العلاج سرا من اﻷسرار لايطلع عليه عامة الناس بل هو علم للخاصة أو لنقل خاصة الخاصة من الكهنة ومن أنصاف اﻵلهة ولولا  الميكروسكوب وإكتشاف الباكتيريا لكنا لانزال فى ضلالنا القديم...والصعيد زمان كان هو الراعى الرسمى للجهل والفقر والمرض ...

كانوا يستعملون وسائل عديدة للتطبيب للجروح رماد الفرن أو البن واﻷولى أكثر شيوعا إكتم جرحك بقليل من رماد الفرن  وأربطه كانت الجروح التى تصادفنا بعيدا عن اﻷفران نتبول عليها نعم ماقرأته أنت صحيح ..ن ت ب و ل أما لو كانت عينك مغلقة بسبب الصديد ومتورمة فعليك أن تصحو مبكرا وتلتقط من وراء  أى حمار أو جحش"إسم الله على مقامك"واحدة من تغوطه الصباحى وهو عبارة عن كريات فى حجم حبة المشمش أو الخوخ "تسمى صون أوبعر ومفردها بعرة  وكذا بعر البعير وسمى العرب أولادهم قديما بإسم بعرة ومازال يستخدم هذا اﻹسم حتى يومنا هذا "وتلف هذه البعرة فى منديل قماش أو خرقة نظيفة وتعصب به عينك المعطوبة جزءا من النهار  الشرط المهم أن تكون الكرة دافئة يعنى فريش وتخيل نفسك على عينك صونة ورائحتها فى أنفك !

أما إذا كانت الحالة فى بدايتها والإحمرار بسيط فعليك بلبن المعيز أو العنيز كما كنا ننطقها  تجلس على ورك أمك وعينك للسماء أو باﻷصح إلى ضرع العنزة التى هى فوقك وتمسك اﻷم رجل العنزة وترفعها بيد وتعصرباليداﻷخرى  الضرع عصرة فى عينك والعصرة قابلة للتكرار إن لم تصيب قطرات اللبن هدفها وهى العين وقد يكون حظك سيئا فتنالك رفسة من العنزة فى محاولتها  للهروب من فوقك بعد اﻹنتهاء 

...بعض الناس اﻷكثر إستطاعة يضعون الششم فى عيون مرضاهم وهو نوع من اﻷملاح المعدنية تحشى به العين المصابة وتربط وإنت وحظك ياصابت وخفيت ..ياخابت وراحت وإنطفأ نورها للأبد ! ولاتنسوا أن طه حسين عميدنا العربى راح ضحية هذا الششم !

أما "الكرفة" فتستعمل لمداواة جروح الختان وهى زيت قلى فيه ثوم ويستعمل الزيت بالمس على الجرح بواسطة ريشة حمامة أو ماشابه...

الرشح المستمر أو النحافة المفرطة والهزال لهما  علاج صعب وكثيرا من أطفال الريف يستيقظون باكرا فى البرد القارص شتاء فترشح أنوفهم فلاتكاد ترى طفلا لا ترشح أنفه ويقول المشخصون أنها حالة سقوط بالمخ ! ومعظمهم هزيل بسبب سوء التغذية وكثرة الجهد  من اﻵخر هتتعالج يعنى هتتعالج وللعلاج يأتون بمسمار طويل وسميك له نهاية دائرية مثل الجنيه المعدنى تجدون مثل هذا المسمار فى أﻷبواب الخشبية الضخمة وفى خشب السواقى...فى القاهرة القديمة ..ثم يوضع فى النار حتى يصبح أكثر إحمرارا منها وتكون رأس المريض منخفضا ...جالسا القرفصاء أمام معالجه وممسوكا به من أحد من أهله ...وغالبا مايكون المريض طفلا ...وتكوى رأسه فى نقطة المنتصف ...بالجزء الدائرى من المسمار وتسمع صوت المسمار وهو يقول تشششش ...وتشم رائحة الشياط من الشعر  ورائحة الشواء من اللحم  المحترقين !

يضغط الكاوى بالمسمار الساخن لدرجة اﻹنصهار ..على الرأس ...حتى يفقد المسمار حرارته أو المريض وعيه أيهما أقرب !وقد تعرضت لهذه المعالجة ...فى سنتين متعاقبتين ومن لم يفلح كى الرأس معه يكوى قفاه وهذا هو اﻹختيار التالى ...وقد تتعدد المحاولات  يصير بعدها  ختم على القفا أو أختام ! ولمعالجة اللحم المهترئ بعد الكى نضع أوراق الخروع على الكى ونلبس طاقية فوق الرأس أو شملة على الرقبة وقديما قالوا آخر الدواء الكى كناية عن قسوته...هذا هو العلاج بالكى ...أيها السادة النبلاء أحفاد المماليك والصعاليك ...هذا ما كان يتداوى به الشعب فى كفوره ونجوعه...يوما ما !

  وهناك علاج للخضه أو الفزعة فعندما كانت تصيب اﻷطفال حالة هلع نتيجة ...مطاردة كلب مسعور أو قطة شرسة أو رؤية شبح أو عفريت من الجن ...فتأتى اﻷمهات بطاسة الخضة وغالبا ماتكون واحدة ...تتداولها القرية كلها وهى آنية نحاسية تشبه سلطانية الشربة لها شخاليل كالخلخال تتدلى حول محيطها ..ويضعون فيها بعض الحبوب والحناء المنقوعة وتبيت ليلتها المقمرة مكشوفة للسماء  وبعد تلاوة بعض اﻷذكار عليها ...سمى الله وأشرب وبالشفا...إنها مرة علقم !

أما إذا لم يفلح العلاج بها ففى البَسْلَة الشفاء وهى خليط من الحبوب عدس فول حلبة شعير قمح دره لوبيا والحناء ثم يؤخذ المريض إلى الخلاء بعيدا عن الناس والبيوت فى ليلة مقمرة وينام على اﻷرض ووجههه إلى السماء ثم ترش الحبوب ..سبع مرات على المريض مع الاستعاذة بالله من الشياطين والهلاك للحاسدين والخراب لبيوتهم و درء عيون المحبين التى قد تكون قد ضلت طريقها ...

هناك اﻷطفال الرضع الذين كانوا يصابون بالإسهال أو فطريات الفم كانوا يصحبون الطفل إلى النيل فى الصباح الباكر  ثم يعرونه تماما و يسقطونه فى النهر عدة مرات عدا الرأس مع قليل من الأذكار فى كل مرة ثم يلف فى ملابسه ويسوك فمه بعصير  نبات عشوائى ينمو فى حقول البرسيم  إسمه "منتنه" وقد مات أخ لى بعد هذا العلاج بساعات إسمه إبراهيم فقد حملت أمى إحدى عشر حملا تسعة ذكور وبنتان نجا من الموت خمس لاتتعجبوا من ذلك فمحمد على باشا الكبير والى مصر وصاحب مذبحة القلعة الشهيرة كان له ثمانية عشر أخا من الذكور لم يعش منهم إلا هو فقط ولذا كانت أمه تخاف عليه !

لم تكن اﻷمهات بشرا...كن آلات لإنتاج البشر ...عذرا أمهاتنا ...وجداتنا ...لقد عانيتم كثيرا ....

تشتكى لى أم من أمهات هذه اﻷيام من إبنتها الصغيرة  الوحيدة ! تقول مغلبانى  !

كل أنواع العلاج السابق تعتمد على التشخيص ولكن من الذى له حق النشخيص ؟!

الحق لكبار السن من جدات وأمهات الجدات وينتقل هذا الحق للأصغر سنا عند رحيل الكبار 

أما العاقر ...فتزور مقابر الفراعين وتشاهد المساخيط عسى الله أن يرزقها بالزرية وتسمى هذه العملية بالشقْ !

وعندما سكنا كنا نتداوى لعلاج البطن من إنتفاخ وغازات ذات روائح كريهة بشربة الملح اﻹنجليزى "سلفات الماغنسيوم " وكان مسماها التجارى  إما شربة الديك أوشربة الشعلة كان طعمها لايطاق ورائحتها لاتملك إلا أن تكتم أنفاسك حتى لاتشمها ولايمنعك من اﻹستمرارفى كتم نفسك  إلا أنك تكاد تفقد روحك  تذاب فى ماء دافئ وتتجرعها على الريق... أنا لاأعرف العلقم ولكنى أعتقد أنها هى !  تشربها من هنا وملعقة سكر وراءها أما إذا تقيأتها فيجب أن تعيد الكرة مرة أخري ...تظل نهارك تشرب الماء ولاشئ غير الماء ...حتى يصير بولك رائقا  مثل المياه المعدنية ! أو حتى العصر أيهما أبعد ثم نتناول بعدها طبق من الفول النابت بدون إضافات ولاحتى خبز  وبصراحة ...كانت صحية للغاية ....ولكن المشكلة فى طعمها ...ورائحتها..  ياي ....شئ فظيع..وأذكر أننى قرأت فى مذكرات الزعيم سعد زغلول أن علاجه اﻷخير كان يشمل شربة الملح اﻹنجليزى...حتى أنه قال كلمته المشهورة "مفيش فايدة" وهو يقصد بلاش شربة الملح أتركونى أرحل فى هدوء !

كانت هناك شربة زيت الخروع أفضل من الملح وأهون ...وقد تعرضت لمعظم طرق العلاج هذه فى حياتى ... وأهمها وأصعبها بالطبع  الكى  بالمسمار الحامى على أم رأسى...مرة لم يفلح العلاج فى قطع إفرازات أنفى على فمى وتشوه كم جلبابى  من كثرة مسحها ولم تفلح محاولاتى لسحبها إلى الداخل مرة أخرى بأخذ شهيق عميق حتى أتقى الكى ! ولكن كان الكى مرة ثانية وفى نفس المكان بجوار المرة اﻷولى وأحمد الله أننى لم أكوى على قفاى وإلا أصبحت أضحوكة أصحابى طول عمرى  لأنى"مختوم على القفا" ولكن الحياة تكفلت بفعل ذلك ...وأصبحنا أضحوكتها !

NomE-mailMessage