الأخيرة
بوابات الأموال القذرة!! (61)
ختام يفرضه الواقع!
كانت جماعة "الإخوان" والجماعات "المفقوسة عنها" شريكا من الباطن فى تنفيذ "خطة الخداع الاستراتيجى" للشعب المصرى.. كانت الخطة مكتملة فى عقل من وضعها.. سار تنفيذها على خطوات كانت تتسارع حينا وتبطىء أحيانا.. إذا انكشف أمر إحدى خطواتها, يتم إعلان "القفز للأمام" لإشغال الرأى العام فى الجديد.. حتى تسقط من الذاكرة تفاصيل ما تتوقف عنده "النخبة".. وعلى التوازى إنطلقت عمليات استقطاب "النخب الثقافية" ومحاولة إفسادها.
إقتصاديا كان العنوان هو "الانفتاح" الذى بدأ قبل حرب اكتوبر بقوانين ثابتة وواضحة دون أن تلفت الأنظار.. وسياسيا إنطلقت بعد انتصارات اكتوبر بما أطلقوا عليه "تطوير الاتحاد الاشتراكى" وكان الهدف "تفكيكه" بابتكار "المنابر"!! وبسرعة أصبح الذهاب إلى "عودة الأحزاب" بشروط تتلون "كالحرباء" بداية من حرب "مصر العربى الاشتراكى", الذى أصبح "الوطنى الديمقراطى" وقام الحزبين على قيادات الصف الثالث والرابع من "الاتحاد الاشتراكى" مع توسيع القاعدة لتضم "الانتهازيين الجدد"!!
واجتماعيا بضرب "الطبقة الوسطى" على مراحل بهدم أركانها من المهنيين والعمال والفلاحين والطلاب.. وفى الخلفية كانت عملية إعادة بنا "رجال المال الجدد" وإعطائهم اسم "المستثمرين" الذين يحمون "الديمقراطية" ويبشرون بالليبرالية والحرية اللتان هدمتهما ثورة "23 يوليو"!!
تنفيذ الخطة تولاه "أنور السادات" أحد رجال الثورة.. وكيل ثم رئيس مجلس الأمة.. عضو المكتب التنفيذى الدائم للاتحاد الاشتراكى.. نائب رئيس الجمهورية.. فقد كان "الشريك الصامت" لقائد الثورة وزعيمها!! وذلك منحه مصداقية حين رفع لواء ما أسماه "التصحيح" وتضاعفت مصداقيته بانتصارات اكتوبر.. أغراه هذا المكسب الكبير فى أن يسرع الخطى, لكن "الخطة" إنكسرت بما حدث يومى 18 و19 يناير.. هنا قرر "اللعب على المكشوف"!!
عرض الرئيس "السادات" ما أسماه "تطوير الاتحاد الاشتراكى" عام 1974.. كان العنوان براقا ويخطف العيون والعقول, بعيدا عن أن المبدأ الدستورى والقانونى والسياسى يقوم على صيغة "الاتحاد الاشتراكى" مستعينا بشرخ فى الصيغة أحدثه "قانون الوحدة الوطنية" الذى صدر عام 1972.. إنطلقت عملية "التفكيك" بإقرار البرلمان يوم 16 مارس عام 1976 صيغة "المنابر" التى سرعان ما أصبحت أحزابا بموافقة مجلس الشعب يوم 11 نوفمبر على اقتراح رئيس الجمهورية.. فقد طلب "عودة الأحزاب"!!
كل هذا كان يحدث تطبيقا لسيادة القانون.. لأن "مجلس الشعب" يقر ما يتم اقتراحه.. وتلك هى "الديمقراطية الجديدة" التى كانت تنهش بأنيابها كل من يطرح سؤال!! وباعتبار أن الدولة أصبحت "دولة العلم والإيمان" فكل من يعترض هو "ملحد" و"كافر" من "الشيوعيين" و"الناصريين".. ولم يعد "أنور السادات" جزءا لا يتجزأ من هذا "الزمن الناصرى" وفق هذه التسمية التى صاغها "موسى صبرى" بمقاله الشهير الذى كتبه بعد ساعات من رحيل "عبد الناصر" بعنوان "لن تغيب شمس الناصرية"!
لكن الرئيس "السادات" قرر فى خطاب سياسى مهم ألقاه يوم أول مايو عام 1976 أن مواثيق الثورة مثل "الميثاق الوطنى" الصادر عام 1962 و"بيان 30 مارس" أصبحا لا يصلحان لهذا الزمن متجاهلا أنهما كانا عقودا اجتماعية.. وذهب باستفتاء 10 فبراير عام 1977 واستفتاء 10 مايو عام 1978 على قانونى "حماية الأمن والمواطنين" ثم "السلام الاجتماعى" إلى إعلان "الطلاق البائن" مع ثورة 23 يوليو ومنهجها.
كانت شروط تأسيس وإعلان الأحزاب تؤكد ذلك.. فقد كان شرطا أن يلتزم أى حزب.. وكل حزب بقانونى "الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى".. وضمن الشروط أن يوقع عشرون نائبا على قيام أى حزب جديد بعد الموافقة على ثلاثة أحزاب مبدئيا – يمين ووسط ويسار – ونصت مواد قيام الأحزاب بالقانون على, أنه يعاقب بالأشغال الشاقة, كل من دبر أو شارك فى تجمهر يؤدى إلى إثارة الجماهير ودعوتهم إلى تعطيل تنفيذ القانون، والعقوبة نفسها يتعرض لها كل من يحاول التأثير على ممارسة السلطات الدستورية لأعمالها, أو حاول منع الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع العام والخاص ومعاهد العلم بالقوة أو التهديد باستعمالها.. وتسرى العقوبة ذاتها على العمال الذين يضربون عن عملهم ابتغاء تحقيق هدف مشترك, باعتبار أن هذا الفعل – الإضراب – يهدد الاقتصاد القومى.. وباقى مواد القانون كلها تعاقب كل من يحاول ممارسة الديمقراطية بالأشغال الشاقة المؤبدة!!!
تجرأ الذين دافعوا عن هذا القانون بقولهم أنه مأخوذ من القانون الأسبانى والبرتغالى, دون توضيح أنها كانت قوانين "سالازار" فى البرتغال و"فرانكو" فى أسبانيا.. وتم الإعلان عن أن الشعب قال "نعم" فى الاستفتاء بنسبة 99%.. وتجرأ "كمال الدين حسين" عضو مجلس قيادة الثورة وكان نائبا عن دائرة "بنها" إلى إرسال برقية لرئيس الجمهورية يقول فيها أن هذا الاستفتاء غير دستورى.. فتولت أمره "أنياب الديمقراطية" وأسقطت عضويته من البرلمان!! ثم ركزت الصحف مع حزب "التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى" بنشر أخبار استقالات بالعشرات والمئات من الحزب.. وتولت أجهزة الأمن صحيفته "الأهالى" بالقانون!!
ولما كان يوم 23 أغسطس عام 1977 فجر "فؤاد سراج الدين" مفاجأة مدوية خلال احتفال بوفاة الزعيمين "سعد زغلول" و"مصطفى النحاس" وأعلن أن "الوفد" ينوى العودة للحياة السياسية بعد السماح بتعدد الأحزاب.. وخلال خطابه تجنب "سراج الدين" الرئيس وراح يهاجم الحكومة وسياستها.. وانفتح الباب أمام اليمين القديم, الذى صاغ برنامجا يطالب بتحويل نظام الحكم إلى "برلمانى" بدلا من "رئاسى" لكنه أكد على دعمه للقطاع الخاص وإلغاء ما تبقى من قيود على حركة رأس المال المصرى.. وطالب بمزيد من الانفتاح على الغرب لينال دعم عواصمه!! ودافع عن المواطنة إنحيازا للمسيحيين الذين التفوا حوله.. وبذلك حاصر "سراج الدين" الرئيس الذى وجد صعوبة فى إيقافه مع "الوفديين العائدين" المقاتلين لأجل "الديمقراطية" و"الحرية" بقدر قتالهم ضد "الاشتراكية" و"عبد الناصر" الذى اتخذها منهجا.. لذلك سنجد أن استفتاء "مايو 1978" استهدف التجمع – اليسار – واليمين – الوفد – عبر "المدعى الاشتراكى" الذى سيتصدى لأية دعاوى تنطوى على أخطار تستهدف الشرائع السماوية.. ويتولى التحقيق مع: "كل من أتى أفعالا تعرض الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى للخطر"!! لتنشر صحيفة "الديلى ميرور" البريطانية فى عددها الصادر أول يونيو عام 1978 أن : "الرئيس المصرى أنور السادات يتصرف كأى ديكتاتور يريد أن يعاقب كل من ينتقد سياسته"!! وضربت أمثلة بما حدث مع النائب "كمال الدين حسين" وكذلك الشيخ "عاشور نصر" الذى تم إسقاط عضويته فى البرلمان لأنه هتف "يسقط السادات" خلال جلسة لمجلس الشعب.. ثم تكرر الأمر مع "أبو العز الحريرى" ومن بعده "عبد الفتاح حسن" وأشارت إلى أن الرئيس نفسه قال لأعضاء مجلس الشعب "إرموه.. إرموه برة" وكان يقصد النائب "كمال أحمد" الذى أعلن رفضه لاتفاقيات السلام"!!
ثم صدر "قانون العيب" وزادت عمليات استهداف حزب "التجمع" وصحيفته.. ووجد "فؤاد سراج الدين" أنه وقيادات حزبه أصبح فى مرمى نيران الإعلام وأجهزة الأمن.. فقرر دعوة الهيئة التأسيسية للحزب – 350 عضو – وأعلن حل حزب "الوفد" احتجاجا على مواقف النظام من الديمقراطية.. هنا قرر حزب "التجمع" تجميد نفسه.. رد "السادات" على ذلك بإعلانه أنه سيملأ الفراغ السياسى بنفسه, وأنه قرر تأسيس الحزب "الوطنى الديمقراطى" لينفرط عقد حزب "مصر العربى الاشتراكى" خلال ساعات رغم أن رئيسه هو "ممدوح سالم" رئيس الوزراء.. فكانت قمة "الهزل والملهاة" بإعلان حزب الأغلبية الانضمام جماعيا إلى الحزب الجديد!! وخلال احتفالات إعلان الحزب الجديد, تحدث "السادات" فقدم التهنئة لحزب "الوفد" على قراره بحل نفسه!! بل ذهب إلى مطالبة اخرين بأن يحذو حذوه.. لتستطيع القول أنه كان إعلان عودة إلى الحزب الأوحد دون منهج سياسى أو أساس فكرى أو برنامج اقتصادى.. والمذهل أن تستمر "الملهاة" حتى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو فى القرن الواحد والعشرين عبر حزب اسمه "مستقبل وطن"!!
كان الحزب الواحد فى "زمن 23 يوليو" له فلسفة, وأخذ ثلاثة أشكال أو مراحل.. بداية من "هيئة التحرير" مرورا "بالاتحاد القومى" وصولا إلى "الاتحاد الاشتراكى" دون أن تحقق هذه الصيغة نجاحا.. لأنها كانت محل انتقاد مستمر, وفشلت كل محاولات إصلاحها.. وكانت أحزاب "زمن الملكية" مجرد "ديكور" يزين بها الاستعمار والملك وجههما.. أما أحزاب "زمن السادات" فقد كانت جزءا من خطة "الخداع الاستراتيجى" للشعب التى حرص عليها "حسنى مبارك" بآداء باهت وبطىء منحه طول العمر لتجربته وفترة حكمه التى امتدت لثلاثين عاما.. وإن كنت قد اخترت أتوقف, دون الخوض فى تفاصيلها.. فهذا يرجع إلى أننى أعتقد أن الصورة أصبحت واضحة!!
إنتهى "زمن 23 يوليو" بوفاة "جمال عبد الناصر"
إنطلق زمن "الخداع الاستراتيجى" بتولى "أنور السادات" للحكم
عاشت مصر صراعا مع إسرائيل.. حفل بانتصارات كبرى, وهزيمة عسكرية يوم 5 يونيو 1967.. وخسائرها كانت واضحة.. واختار حاكم مصر الذهاب للسلام بعد أعظم انتصار عسكرى.. أصبحت خسائر مصر وانتصاراتها خلال 18 عاما واضحة.. بقدر ما أصبحت خسائر الانتصار العسكرى واضحة بعد نحو نصف قرن من تحقيقه!! ولأن الخوض فى تفاصيل فترة حكم "حسنى مبارك" وما بعدها سيكون مؤلما وثمنه فادح.. إخترت أن أتوقف بإشارتى إلى منهجين.. أولهما أرساه "عبد الناصر" والثانى أسسه "السادات" الذى فتح باب الاستهلاك.. والاستدانة لتقفز ديون مصر إلى ما فوق 12 مليار دولار عام 1977, ثم راحت تتضاعف..
وازدادت الواردات لتصبح مصر مجرد سوق.. وتم تصفية القطاع العام بعد تخريبه "مع سبق الإصرار والترصد" عقب انتصارات اكتوبر.. فقد تمت تصفية مئات الشركات الصغيرة خلال السبعينات.. ثم كان تخريب وبيع الشركات والمصانع العملاقة.. وظهرت العشوائيات من منتصف السبعينات, ومعها سكن الناس المقابر فى ظل "نظام التوريث" الذى بدأ بالشراكة بين "السادات وعثمان احمد عثمان وسيد مرعى" وتولت خلاله "جيهان السادات" رئاسة المجلس الشعبى فى محافظة المنوفية.. وتم تكوين التحالف بين "رجال المال الجدد" والغرب بإعلان امتلاك أمريكا 99% من أوراق اللعبة!!
مازالت "ماكينات الكذب والتزوير" مع "خدم الملكية والاستعمار" يشعرون بأنهم أوقفوا عجلة "زمن عبد الناصر" لكنهم يواجهون عجزا فى إقناع الشعب المصرى بمنهج "الخداع الاستراتيجى" الذى حرق حتى جماعة "الإخوان" فى نيران 30 يونيو 2013.. ومازالت النيران مستمرة فى حرق الذين يعتقدون أنهم قادرون على خداع الشعب المصرى..
يا عزيزى.. إنه "زمن الأوف شور" الذى بدأ بتولى "السادات" المسئولية وتحول من نظام اقتصادى إلى نظام سياسى واجتماعى عنوانه "المهراجانات"!!..
تمت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق