JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

هاشم عبد العزيز يكتب : ريش 2


لقد لفني الهم كأنه شبكة 

تتطلع عيناي ولكنهما لا تبصران 

أذناي مفتوحتان ولكنهما لا تسمعان 

قد سقط الدنس على عورتي 

وهاجم الغدد التي في احشائي 

وأظلم الموت من جسمي كله 

يطاردني المطارد طول النهار 

ولا يترك لي بالليل لحظة اتنفس فيها 

لقد تفككت أطرافي ولم تعد تمشي مؤتلفة

وأقضي الليل بين أقذاري كما يقضيه الثور 

واختلط ببرازي كما يختلط الضأن 

ولكني أرى اليوم الذي تجف فيه دموعي 

اليوم الذي يدركني فيه لطف الأرواح الواقية 

ويومئذ تكون الآلهة رحيمة بي . 

" الشاعر  البابلي ..  تابي _ أتول _ أنليل " . 

-عثر المنقبون على الابيات المذكورة أعلاه في خرائب بابل ؛ وهي جزء من كل ؛ قال عنه المؤرخون أن به غير قليل من التشابه مع سفر أيوب من حيث البداية السعيدة مرورا بالابتلاء المرضي وملازمة الفراش نهاية بفك الكرب والعوض عن فترة المرض بسعادة اكبر من السعادة الأولى التي كان يعيشها المبتلى .

-لا نعرف اسماء الابطال ولا اين يسكنون ولا إلى أي وطن ينتمون .. ولا باي مذهب يتمذهبون .. لم نسمع منهم إلا القليل من الجمل  عبر لغة مشتركة لا تعبر عن بلد بعينه أو فئة بعينها إنما تعبر عن نظرة أصحاب هذه اللغة للدنيا والحياة  ولو كان في وسع المخرج أن يستغنى عن صفتهم الاسرية والاجتماعية  لفعلها بلا تردد  حتى يغرق المشاهد في بحر العبث والفوضى الروحية و المعرفية والفقر المادي هو أقل انواع الفوضى   التي تعج بها الصورة ؛ حتى اقتراب الكاميرا من الجنيهات القليلة لم يكن الغرض من إبرازها انخفاض قيمتها بل ذبولها وهشاشتها وكونها على شفا حفرة من الفناء التام .

 " طوطمية الدجاجة وقتل رب الأسرة " 

حدثنا علم النفس عن الطوطمية وتاريخها ورغم أنه لم يقدم الينا الا مجرد تكهنات ولكنها  تتفق مع سلوك الإنسان المعاصر ولو صبغه بألوان حضارته الزاهية ومنطقه بقيم عقله المركب الذي قنن الجريمة وجعلها تناطح الشرف والفضيلة  . 

الطوطم هو حيوان أو نبات تقدسه القبائل القديمة وتقيم له احتفال سنوي يرقص فيه رقصات تشير إلى حركة هذا الحيوان أو حياة هذا النبات الذي يحرم قطفه أو أكله بالنسبة للحيوان وتستثنى بعض القبائل وتسمح لأفراد القبيلة بالتهام لحم الحيوان يوم الاحتفال وتحرمه طوال أيام السنة ؛ ظهرت الطوطمية بكثرة في آثار الحضارة المصرية عبر منحوتات يشترك فيها الإنسان مع الحيوان كما ظهرت في جنوب جزيرة العرب وشمالها والتفسير الذي اميل إليه بناءا على ثقافة الجزيرة العربية وتسمية المواليد بأسماء شجعان الحيوانات مثل اسد وفهد الخ ؛ من منطلق بث الشجاعة والخشونة في أرواح الاولاد.

 بناءا على ذلك يمكننا أن نقول أن القبيلة الاولى كانت تختار الاسماء بناءا على شبه كبير  بين الإنسان والحيوان سواء في الشكل أو الصفة التي يتمتع بها هذا الحيوان ؛ وعندما يكون شيخ القبيلة اسمه دجاجة مثلا ويدب النزق والغضب والملل بين أفرادها وينقمون على شيخها بحكم تقدمه في السن أو سياسته غير العادلة أو انفراده باناث القبيلة وجعلهن حصريا له

 وهو ما يدفع الشخص الذي يظن أن له الأحقية في القيادة فلا مانع أن  يقتله لأي سبب من الأسباب المذكورة ويكون ذلك بمثابة قانون ينسجم مع قانون السماح بأكل لحم الحيوان  الذي يحمل اسمه  أو يقوم الابن بقتل الاب الذي ينافسه على حب  الأم كما في عقدة أوديب ؛ وعندما يعتقد أفراد القبيلة أن الموتى يعودون إلى البيوت ليلا ويحاولون اقتحامها والعيش فيها كان عليهم أن يسترضونهم ويخففون عليهم وقع الغياب تحت التراب فصنعوا لهم الطوطم على اسمهم أو شكلهم وبنشوء الطوطم يسهل علينا أن نعرف لماذا عبدت الأسلاف عبادة مباشرة وغير مباشرة .. وهنا يجب أن أتقدم إلى  القاريء بكل الاسف والاعتذار على الإطالة في شرح الطوطم ولكنها إطالة لا غنى عنها حتى يتسنى لنا شرح حكاية الفيلم المصورة باختصار  وعلينا أن نبدأ على عكس العادة من النهاية إلى البداية لا العكس


- تذبح الام دجاجة وتقوم بطهيها وإطعام أطفالها 

- تمسك الام وسادة وتطبق على انفاس الاب المريض وتقوم بقتله 

- الام تعالج الاب المريض قدر الإمكان رغم ضيق أحوالها المادية 

- يظهر صديق للأب ويتحرش بالام أثناء مساعدته لها 

- يظهر الاب بعد غياب نعرف سببه الظاهري لاحقا 

-الام تعالج الدجاجة المريضة بكل قوتها رغم ضيق أحوالها المادية !!

_ الاب يتحول الى دجاجة على يد ساحر فشل في استرجاعه بعد أن سحره في شكل دجاجة 

_ الاب يحتفل مع الأسرة والأصدقاء بحفل عيد ميلاد ابنه 

- الأم تعيش حياة خانقة وضيقة ومجردة من كل لون طبيعي أما الاب والاولاد فلديهم ما يبعث السلوى في نفوسهم مثل التليفزيون والالعاب التي نشاهدها تقتحم ديكور منزلهم الفقير .

 - نرى الاب يحترق بالنار بعد أن نسمع صوت أنفاسه تتلاحق وراء جدار  الظلام !!!! . 

يبدأ الفيلم بالفقرة  الأخيرة وينتهي بالفقرة الاولى والان  سنحكي قصة اولى  موازية لقصة الفيلم  بنفس تركيب الصور والسرد العكسي من النهاية إلى البداية 

-القبيلة تمسك بحيوان معين وتذهب به إلى مذبح الطوطم وتسترضيه به قربانا له ثم تلتهم لحمه بشكل عادي 

- رجل يظن في نفسه أولوية القيادة أو ابن شيخ القبيلة يقوم بقتل الشيخ لاي سبب من الأسباب المذكورة وربما كان سبب اول قتلة هو استحواذ الشيخ على الأم وكل اناث القبيلة 

-القاتل يندم على فعلته ويحاول استرجاع المقتول  دون فائدة 

-تقفز فكرة التخلص من الشيخ في رأس الابن أو الاولى بالقيادة بعد الشيخ 

- طوطم شيخ القبيلة يظهر بعد فشل استرجاع روحه إلى الحياه مرة أخرى 

- يتم تغذية مذبح الطوطم  بذبائح دفعا لغضبه أو نشدانا لحماية الحامي القديم ومنعه  لشرور الطبيعة التي تضرب القبيلة 

- الطوطم يحملق في أفراد القبيلة وهم يحتفلون أمامه ويحاكون رقصاته ويقلدون حركاته 

- القاتل يدرك أن ما فعله جريمة بينما أفراد القبيلة يلعبون أمام طوطمهم ويظهر الجميع سعداء إلا هو !!! . 

أما القصة الثانية الموازية سواء كانت قصة سيدنا ايوب عليه السلام حسب الرواية التوراتية أو القصة البابلية أو أمها السومرية فممكن أن نضعها في فقرات هي الأخرى  حتى نفهم خليط الفيلم المصور دون تعب أو مجهود وسيكون الحكي بالترتيب الطبيعي 

- سيدنا ايوب عليه السلام أعظم من في الشرق جميعا حسب رواية التوراة من حيث التقوى و المال والولد أي أنه جمع بين زينة الحياة الأخرة وزينة الحياة الدنيا . 

- يحقد الشيطان على ايوب  ويتحدى الله ويقول أن تقوى ايوب بسبب ثروته وليس بسبب إيمان خالص ( نقرأ في التفسير الإسلامي أن الشيطان وسوس إلى عشيرة أيوب بهذه الفكرة ثم أراد الله أن يثبت ايمان يعقوب الخالص من أسباب الدنيا ولم يكن الأمر تحدي مباشر بين الشيطان ويهوه ( الله )  حسب الرواية التوراتية 

- يذهب مال ايوب ويموت أولاده ويضرب بالأمراض ويلتزم الفراش 

-  تطول ايام مرض أيوب  وتيأس زوجته وتشكو من طول ايام المرض وتتركه وحيدا 

- نقرأ في سفر ايوب  نقاش فلسفي  طويل بين أيوب وأصحابه وخادمه حول فكرة البلاء و المرض لينتهى بشفاء ايوب  من كل الأمراض وتعود إليه زوجته وينجب الاولاد وتتضاعف ثروته الاولى ويعيش سنوات طويلة بعد ذلك . 

الان علينا أن نحصد القواسم المشتركة بين  القصة القبلية الاولى ( القصة الطوطمية ).. وبين القصة التوراتية ومن يريد أن يستزيد فعليه أن يقرأ القصيدة البابلية كاملة أو يكتفي بالقصة التوراتية .. ثم يقارن بينهما وبين القصة القبلية الحديثة التي أراد أن يعبر عنها المخرج من خلال الفيلم . 

 -الاب في كل القصص عظيم وله سلطة ونفوذ ومال ولو بدت نقود الاب الحديث ذابلة ومهلهلة وهي صفة لا تبعد عن طبيعة المال الجنونية كثيرا أو طبيعة القوة ككل بالأحرى ؛ اية قوة !! 

 ‏- الشيطان يوسوس ونرى في الفيلم صديق الأب يحضر عيد الميلاد وربما يكون هو من اقترح على الاب فكرة إحضار ساحر ليحوله إلى دجاجة ثم يفشل في إعادته  !. وربما يكون انقلاب الحال على شيخ القبيلة الاولى ليس مجرد وسوسة شيطان جني أو انسي إنما وسوسة نفسية قهرية منطقية  قفزت في رأس الأفراد فحواها أن هذا الشيخ الكبير لم يعد اهلا للقيادة والحكم ويجب أن نستبدله بقائد جديد ، وبصرف النظر عن السبب سواء كان جنسي فردي حيث  غيرة الابن على الأم حسب تفسير فرويد أو سياسي حيث غياب العدل في توزيع فائض انتاج القبيلة وربما يكون هذا هو الفائض الاول الذي عرفته القبيلة ، أو جنسي جماعي وهو سيطرة الشيخ على كل الإناث وحرمان كل الذكور منهن .

 ‏ - المرض يضرب الجسد ويشفى في القصة الدينية حيث وجود بعد روحي سليم ويقدر الله على إعادة الصحة للجسد المبتلى، الموت يضرب الجسد القبلي بنوعيه القديم والجديد حيث غياب البعد الروحي فالاول لم يكن يعرف الطوطم بعد ( وهو أول تجليات الدين حسب تكهنات علماء النفس )  والاخير  لا يعرف البعد الروحي اصلا وهو ما نلمسه في تجريد الصورة من كل الابداع الرباني ؛ اللون والتكوين الطبيعي الحقيقي .. حتى الجسم البشري  والصوت الإنساني لم يظهرا في كامل طبيعتهما !!



- لم يقتل أحد في القصة الدينية لان ثيمة القصة الدينية قائمة على الابتلاء وإبراز الايمان المجرد من متع الدنيا فالمشترك الكبير فيها هو  ارهاصات البداية و يأس الزوجة  قتامة الصورة أثناء الابتلاء ؛ أما القتل وما بعده في القصتين القبليتين فالفارق بينهما ليس واسعا  رغم اختلاف الدافع 

- يأست زوجة أيوب وتركته ثم عادت إليه ولم تقتله كما فعلت بطلة الفيلم أو الابن الطامع في السلطة !!! 

- رجل القبيلة الاولى برر القتل لنفسه  ثم ندم ثم قننه وصنع الطوطم البدائي وقدسه واحتفل به ولعب أمامه !!!! 

-الام في الفيلم كتمت انفاس زوجها عندما يأست من شفاءه ثم ذبحت الدجاجة " الطوطم " وطبختها وقدمتها إلى الاولاد ونرى من خلال الصور القتل والندم والتهام الطعام كما فعل الإنسان الأول تماما . 

ربما تكون رؤيتي بعيدة كل البعد عن مضمون الفيلم البعيد ولكنها مجرد استخدام للصور واستدعاء لتشابه كبير قد رأيته وشعرت به في هذه القصص البعيدة وخلاصة ما استنطبته من الفيلم 

" ان انسان العصر الحديث   الذي يمر بفقر معرفي وروحي ومادي _ أقصد هنا الشرق صاحب هذه اللغة واللهجة المشتركة ونظرة مشتركة إلى الدنيا والحياه _   لا يختلف كثيرا عن الإنسان البدائي ولو امتلك التليفزيون والعاب الماء والهواء.

NameE-MailNachricht