مجدي الحداد يكتب : قراءة في كتاب المجاز السياسي


أعجبني كثيرا حقيقة كتاب عمار على حسن بعنوان ؛ " المجاز السياسي " ، والمنشور بسلسلة عالم المعرفة العدد 486 سبتمبر 2021 

وعرفت الكاتب لأول مرة من خلال ندوة بالسويس قدمه فيها جورج إسحق، وكان حاضرا فيها أيمن نور والراحل عصام العريان عليه رحمة الله . وكان ذلك بعد ثورة يناير وربما بحوالي عام ، وأثناء الفترة الإنتقالية التي حكم فيها المجلس العسكري .

و موضوع الكتاب الذي تطرق إليه الكاتب ربما لم يتطرق إليه على هذا النحو المفصل ــ على الأقل في عالمنا العربي ــ أحد من قبل ، وقد أفاض فيه الكاتب وأفاد حقيقة . وهو كتاب ممتع وشيق بالفعل وإلى أبعد حد ، ويشكر الكاتب على ما بذل فيه من وقت وجهد مثمر بإذن الله . ولا غنى ، ومن وجهة نظري الخاصة ، عنه ، نظرا لجدية وفرادة وثراء موضوع ومادة بحثه . لذا فأنصح كل مهتم بقراءته . 

ولكن قد لفت نظري في منهج البحث المتبع في الكتاب أنه يكاد يكون حالة مصرية فريدة ــ ولا أدري حقيقة عما إذا كانت تقليدية ، وعفا عليها الزمن ــ يسير على هديها جل ــ إم لم يكن كل الباحثين المصريين وخاصة في مجال العلوم الإجتماعية والسياسية ــ أو النظرية بصفة عامة ــ حتى يكاد أن يكون الأمر بالنسبة لي وكأنه بحث إستقصائي ، أكثر منه تجريبى أو إستقرائي ، وحيث يبدو الجهد المبذول هنا عند حده الأدنى في البحث ، وذلك من خلال حشد كل الآراء التي تؤيد وجهة نظر الباحث حصرا في أي جزئية من جزئيات البحث ، وذلك بخلاف البحوث الغربية ، والتي سوف أتطرق إلى واحد منها أيضا هنا على سبيل المثال المقارن ، وحيث نرى هنا الباحث يضمن ما اقتبسه من عبارات وجمل أو حتى مقاطع من كتب ومراجع أخرى لمؤلفين أخرين في متن بحثه من غير أن يشير إليهم هكذا بطريقة التحقيق الصحفي ــ والتى اتبعها عمار وكذا جل الباحثين المصريين ، وعلى نحو ما أسلفنا ــ ويذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب ، والناشر وسنة الطبع ، وكما هو متعارف عليه أكاديميا ، في هوامش الكتاب ، وفي نهاية البحث .

ومع الإصرار على اتباع ذات المنهج ــ بالنسبة لعمار ــ من أول مقدمة الكتاب ، وحتى الخاتمة ، فقد يتولد إليك إنطباع بأنك تقرأ كتاب أشبه بالتحقيق الصحفي منه إلى أي شيء أخر . 

ولنضرب هنا بعض الأمثلة ، وفي فصل واحد فقط من فصول الكتاب ، وهو الفصل الثالث ــ والكتاب مكون إذن ، من ستة فصول تسبقهم مقدمه وتلحقهم خاتمة ، و يقع في حوالي 366 صفحة . 

ــ ففي ص 78 ؛ يقول الكاتب : " ويقدم لنا عبد الله الحراصي برهانا ناصعا على دور الإستعارة في صناعة تاريخ معين ..إلخ

ــ وهنا يقول فؤاد زكريا ؛ ص 84 ...

ــ وهنا يقول الكتب الأمريكي توماس فيشر ؛ ص 88 ...

ــ وهنا يقول لايكوف ؛ ص 89 ... ، وهنا يقول عبد العزيز الجرجاني ؛ ص 89 ... ، وهنا يقول لايكوف وجنسون ؛ ص 90 ... 

ــ وقد أورد الثعلبي ؛ ص 91 ... 

ــ ويرفض جاك رويدا ؛ ص 93 ...

ــ ويقول ماركس في كتابه " مقدمة في نقد فلسفة الحق عتد هيجل " ، ص 99 ...

ــ كما أن تساؤل ميشيل فوكو كام مبررا حين قال : ؛ ص 102 ...

ــ كارل كلازوفيتس ترى أن الحرب سياسة تقوم بوسائل أخرى ؛ ص 103 ...

ــ ويحلل لايكون ... ص 106 ...

ــ ... الشاعر الكبير محمود درويش ... حين قال : ؛ ص 107 ...

ــ ويقلب جون لويس المصطلح ... ص 109 ...

ــ وفي هذا السياق تتجلى أيضا إستعارة قوية استعملها أرنست فولف في كتابه ؛ " صندوف النقد الدولي .. قوة عظمى في الساحة العالمية " .. ص 159 ...

ــ ولم يبالغ هشام شرابي حين قال ... ص192 ...

وهكذا دواليك تتكرر نفس الطريقة الإستقصائية ربما عدة مرات في الصفحة الواحدة في الفصل الواحد ، وحيث اتخذنا هنا الفصل الثالث فقط من هذا الكتاب كمثالا قابل للقياس ، الأمر الذي يدع القارىء يتسائل ؛ أين إذن جهد الباحث من كل ذلك ..؟!

وهناك شيء أخر قد لفت نظري أيضا في هذا الكتاب ، ففي هوامش الفصل الرابع مثلا ــ وكمثال قابل للقياس عليه أيضا في باقي فصول الكتاب ــ يذكر الكاتب أحيانا رقم الصفحة مع أسم المرجع أو المؤلف طبعا ، وذلك حينما يقتبس بعض الجمل والعبارات ، وأحيانا لا يذكر رقم الصفحة ، كالهامش رقم 16 مثلا من هوامشى الفصل الرابع ص 351 فيذكر : " أنظر بوجه عام : د. محمد عابد الجابري ، " بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية " ــ على الرغم من أنه يتعرض لشيء خطير جدا ومحوري ايضا ، من غير أن نتجاوز الحقيقة ، يتعلق بما اسماه الجابري بطريقة التفكير ؛ وحيث ذكر عمار في متن كتابه ــ والخاص بالهامش ؛ (16) ــ ص 181 : " زاد على هذا ما ل " العرفان " إلى جانب " البيان " من تأثير في طريقة تفكيرنا مما لم يجعل " البرهان " النصيب الأوفر فيما نتصوره ، ونسعى خلفه ، أو نريد تحقيقه ، وهي مسألة استفاض محمد عابد الجابري في وصفها وتشريحها وتحليليها ... ( 16 ).

بينما نجد في ذات الصفحة ــ ص 351 ، هوامش الفصل الرابع ــ يذكر في الهامش رقم (19) ؛ غوستاف لوبون ، "حضارة العرب"، ترجمة:عادل زعيتر ، ( القاهرة ، مؤسسة هنداوي لتعليم والثقافة ، 2012 )،والاقتباس أورده المؤلف من ثنايا الكتاب ، لاسيما من فصل " فتوح العرب "،ص139ـ160.   

أما إذا تطرقنا لبحث أو كتاب أخر لمؤلف وباحث غربي مثلا ، ومترجم ، وعبر ذات السلسلة ؛ سلسة عالم المعرفة ، ككتاب بعنوان ؛ " لماذا فشلت الليبرالية " ، تأليف : باتريك دينين ، وترجمة : يعقوب عبد الرحمن ، وذلك بالعدد رقم 483 لشهر أبريل ، وحاولنا مقارنة ذلك الكتاب ، أو منهج البحث المستخدم ، مع كتاب عمار فلسوف نجد إختلافا وخلافا كبيرا ، وقد يستعين هنا الكتاب بالطريقة الإستقصائية تلك أيضا ــ إن جاز لنا أن نسميها كذلك ــ ولكن في أضيق الحدود كمرة مثلا أو مرتين في الفصل الواحد ، وخمس مرات في الكتاب كله ، والمكون هنا من سبع وفصول ، بخلاف مقدمة المترجم ، واقتباس ، واستهلال ، وتمهيد ، ومقدمة المؤلف ، والخاتمة . وهنا يبدو جليا جهد المؤلف المبذول في بحثه وعلى هوامشه بالكاد ما هو مؤيدا أو متماهيا معها .

هذا مجرد إجتهاد في إبداء الرأي في كتب عمار بالمقارنة مع كتاب أخر من نفس السلسلة المذكروة آنفا ، وبطريقة بسيطة وموجزة. ولي أجر الإجتهاد إن أخطأت ، وأجران إذا أصبت .

تعليقات