مستندات و وثائق أوقاف جامعة القاهرة مع بائع بطاطا!!
عندما حكى الأستاذ "صلاح عيسى" عن قصة عثوره بالصدفة على "دستور 1954" المقترح، (الذي رفضه الضباط الأحرار، واستبدلوه بدستور 1956) في صندوق للقمامة عام (1999)، ونشر كتابه الرائع "دستور في صندوق القمامة" (2001)، كنت أتصور أنها قصة للتشويق وللتسويق... وعندما قص المبدع "خيري شلبي" تفاصيل عثوره على نص تحقيقات النيابة العامة المصرية مع الدكتور "طه حسين" حول كتابه "في الشعر الجاهلي" في كراسة قديمة بإحدى مكتبات درب الجماميز، وأن هذه الكراسة كانت تخص النائب العام "محمد نور بك"، وتحمل توقيعه.. وهو ما نشره في كتابه "محاكمة طه حسين" (1969).. كنت أتصور أن في هذه الحكاية قدراً كبيراً من الحظ والتوفيق..
شيء من هذا وذاك، تذكرته ليلة أمس، وأنا "أتمشى" بصحبة صديقي ومستشاري القانوني الدكتور "محمد حلمي عبد الله" على "كوبري الجامعة" بالجيزة، إذ، ورغم إصابتي بداء السكري، قبلت شاكراً وممتناً دعوته لتناول "جدر بطاطا" (على حد تعبير "عزيزة" في رواية "الحرام" ليوسف إدريس).. منظر البطاطا، ورائحتها، جعلاني أنسى تعليمات الأطباء، ونصائح الحكماء.. لا صوت يعلو فوق صوت البطاطا المعسلة!
كانت البطاطا ساخنة جداً، غير أن ما تحتها كان أكثر سخونة.. كانت قطعة البطاطا موضوعة على ورقة مطبوعة عنوانها "حصر أملاك جامعة القاهرة وممتلكاتها في آخر ثلاث سنوات 2015، 2016، 2017"، وفيها بيان بممتلكات الجامعة وأصولها، والموقف بشأن كل بند منها.. دفعني الفضول للذهاب إلى "بائع البطاطا" مستفسراً عن مصدر هذه الورقة الأصلية، لأفاجىء بملف ضخم (أصلي وليس صورة) عليه خاتم أصلي للجامعة، وتوقيع رئيس الجامعة الدكتور عثمان الخشت بقلم أشبه بأقلام "اليوني بول الزرقاء العريضة أو أقلام "الفلومستر".. (ملف رقم 738 بتاريخ 24 أغسطس 2017.. للعرض على أ.د. رئيس الجامعة، لجنة حصر أملاك الجامعة)! .. نفحت الرجل مبلغاً محترماً، وأخذت الملف كاملاً، ورضيت من الغنيمة بالإياب بهذا الملف النادر!
قضيت ليلتي كلها حتى مطلع الفحر، متصفحاً لهذا الملف الضخم.. الملف يحتوي على وثائق أصلية و"حجج" أراضي، ومحاضر تسليم وتسلم (أصلية)، ومذكرات قانونية للعرض على رئيس الجامعة، أحالها بتوقيعه إلى المستشار القانوني له (الدكتور رجب طاجن، القائم بعمل عميد كلية الحقوق حالياً.. وكان الدكتور "طاجن" هو أحد الاسمين المرشحين بالمخالفة للقانون لمنصب عميد كلية الحقوق والذي قام الدكتور الخشت بالتلاعب في الأوراق التي أرسلها لوزارة التعليم العالي كما أوردنا في مقال سابق عنوانه : الخشت: فيلسوف التبديد والفهلوة!)..
"ملف أوقاف الجامعة وأموالها المنهوبة والمهدرة" في فترة الدكتور الخشت هو ملف يقع في دائرة اهتمامي الحالي، بعد أن اكتشفت مؤخراً عدداً من الوقائع المتصلة به.. تعامل الدكتور الخشت مع هذا الملف فيه إهدار للمال العام، وإضرار بمصالح الجامعة، وتضييع لحقوق الجامعة ولأصولها.. وهو ما أوردته في بلاغي الرسمي إلى النائب العام..
منذ عدة أيام (21 أغسطس)، كنا قد عرضنا على هذه الصفحة فيديو لعملية تكسير "الخزانة التراثية للملك فؤاد" ، وأشرنا إلى أن هذه الخزانة تحتوى على "حجج الأراضي، والأوقاف، والهدايا، والخرائط، والتصميمات، وبعض العملات الأثرية، وغيرها من المقتنيات الثمينة والقانونية.. وذكرنا أن هذا التصرف غير المسئول يمثل جريمة متكاملة الأركان؛ جريمة العبث بمحتويات قانونية مهمة، وانعقاد لجان دون شروطها.. وهو تصرف يجرنا إلى السؤال عن "أوقاف" الجامعة الضائعة، وعن "أراضيها" المنهوبة، وعن ثرواتها المبددة في فترة الخشت. واليوم تنجلي لنا بعض التفاصيل عن طريقة التعامل مع هذه المقتنيات والوثائق، بالبيع لتجار الروبابيكيا وجامعي الورق المستعمل! ..
والحق الحق أقول لكم، إنني مندهش كل الإندهاش، من أن يكون كل هذا الإهمال في جامعة القاهرة؛ قلب التعليم الجامعي في مصر.. ولست أدري هل هذا الإهمال في فترة الدكتور الخشت هو إهمال عن غير قصد وتعمد لضعف في الرؤية وفي القدرة على إدارة كيان ضخم كجامعة القاهرة؟ أم أنه مقصود ومتعمد ومع سبق الإصرار والترصد (بطريقة عمنا عبد الفتاح القصري) لتحقيق مكاسب شخصية والتربح من الوظيفة العامة؟ وهو سؤال أترك الإجابة عنه لجهات التحقيق وللنيابة العامة التي قدمنا لها بلاغنا الرسمي.
الدكتور محمد عثمان الخشت الذي تفرغ أثناء فترته للجامعة لتسويق نفسه باعتباره مجدداً للدين (بعد أن نسي كتبه الجنسية، وسعيه الدائم لتأليف دليل جنسي إسلامي (كاما سوترا إسلامي)، وفي الترويج لنفسه باعتباره مفكرا منفتحاً (حسب تعريف الانفتاح)، وأنه المرشح الأقوى لوزارة الثقافة، اعتماداً على ما يدعيه ويرهب به خصومه ومنافسيه من أنه على اتصال مع قيادات نافذة بالبلد، وأنه "ايده طايلة".. أقول إنه تناسى في ضوء ذلك كله وظيفته الأساسية وهي أنه رئيس أكبر جامعة في الشرق الأوسط، وأن عليه أن يتصرف بالكود الأخلاقي المناسب لهذه الوظيفة.. اتبع الخشت هواه فأضله، وكان أمره فرطاً..
أتمنى أن يقدم الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت في مجلس الجامعة الطارىء الذي سيعقده ظهر اليوم بغير الشروط القانونية لانعقاده (مجلس باطل قانوناً)، أتمنى أن يقدم اعتذاره عن عدم الاستمرار في وظيفة القائم بأعمال رئيس الجامعة لحين صدور قرار جمهوري بتحديد رئيس الجامعة الجديد.. اللياقة تقتضي عليه ذلك.. وتحمل المسئولية يستلزم ذلك.. بدلاً من توجيه مجالس الكليات بالأمر إلى إصدار بيانات شجب وتجديد ثقة.. كن على قدر الموقف يا دكتور!
أتذكر عندما كنت صغيراً أنه كان هناك نوعان من البطاطا؛ بيضاء وحمراء.. وكنت أميل إلى البطاطا البيضاء، وأفضلها باردة.. هذه الأيام، لم يعد لنا خيار.. لم نعد نراها في جامعة القاهرة وضواحيها في عهد الخشت إلا (حمرا) و(ساخنة)!! وهكذا، وجدت وثائق جامعة القاهرة وأوقافها عند بائع البطاطا!!
(ملحوظة، سلمت هذا الملف وغيره من المستندات الأصلية إلى مستشاري القانوني لتسليمه إلى النيابة العامة عند طلبها، واحتفظت بصورة منه).
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق